فكيف يمكن أن يكون رَبًّا. ولولا تجلِّيه في صورة الإِنسان لما كان لقوله:«وإنَّ ربَّكم ليس بأعوَر» وَجْهٌ لطيف. وحينئذ ظهر معنى قوله:«حَقْو الرحمن»، فإِنَّه أيضًا تجلَّى على نحو ما يراه الرائي في منامه.
قلتُ: وهذا كما ترى كله من اختلاف العالمين "يه سب كارستانى اختلاف عالمين كى هى بهت سى جهان ركهى هوئى هين".
واعلم أن التجلِّي عبارةٌ عن أمور إلهية، تَضْعُف عن مشاهدتها بِنيةُ البشر، ويَكِلُّ عن إدراكها البصرُ، فَتُقام صورٌ تليق بِبِنيته لتقرِّبه من عالم الغيب، وتفيدُه معرفةً وبصيرةً بس يه سمان باندهنا اوريه بيرايه مشاهده بهى تجلى هى. وثبتت رؤيةُ الباري تعالى في رواية الترمذي، وروى في تلك الرواية (١) في الخارج الرؤيةَ على هيئةِ شابٍ أَمْرد. وتصدَّى له البيهقيُّ، وليس بصواب، وكثيرًا ما أراهم يزعمُون أنَّ كلَّ الصيدِ في جوف القرى، فإِذا لم يدركوا أمرًا إذا هم يُنْكرون، كالزمخشري، فإِنه يحمل جميعَ المتشابهات على الاستعارات، والذي يُناسب أن تُصْرف الأمورُ إلى أهلها، ثُم لا ينازعه فيها. والفقهاء أيضًا خَفَّفُوا أَمْر الرؤية.
وبالجملةِ ما أشبهت رؤيته تعالى في المحْشَر برؤيتك إياه في المنام، وإنْ تفاوتت الرؤيتان قوةً وضَعْفًا. لا أريد به أنَّ الرؤيةَ في المَحْشر ليست على الحقيقةِ، بل نحو من المجاز، سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ، إنما أريدُ الاشتراك بين المرئي، أنه التجلِّي في المحلين، وإن كان تَجلِّيه في المَحْشر أَقْوى وأَقْوى مما في المنام، والله يَدْري ما بينهما من التفاوت في الكيفيات، ولكنَّ هذا التجلي هو المعبر عن رؤية الذاتِ عندي، فلا يخالف ألفاظَ الحديث. وقد مرّ معنا أنه مختارُ الشيخ الأَكْبر أيضًا، وتَبِعْتُه في ذلك، وقد تكلَّمنا عليه في مواضع، فراع المواضِعَ كلَّها، وإياك وأن تعزو إلي ما لم أُرِدْه.