واعلم أنه قد تكلمنا مرَّةً في معنى حياة الشهداء والأنبياء عليهم السلام؛ وحاصله: أن الحياة بمعنى أفعالِ الحياة، وإلا فالأرواحُ كلَّها حياةٌ، ولو كانت أرواحَ الكفار؛ ولكنها معطلةٌ أن الحياة بمعنى أفعالِ الحياة، وإلا فالأرواحُ كلُّها أحياءٌ، ولو كانت أرواحَ الكفار؛ ولكنها معطلةٌ عن أفعال الحياة. ولذا ترى القرآنَ والحديث لا يذكُر ان الحياة إلا ويذكران معه فعلا من أفعال الحياةِ أيضًا، كما رأيت في الآية المذكورة حيث قال:{بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران: ١٦٩] فَذَكَر كونَهم مَرْزُوقين، وهي من أفعالِ فأُوْلى أن يُسمّوا بالأحياء بخلاف غيرهم، وفي الحديث أَنَّهم يدخلون الجنَّة في حواصل طيرٍ خُضْرٍ، ولفظ «الموطأ» يقتضي أن هؤلاء مُشبِّهون بالطَّيحرِ الخُضْر، إلا أن الطَيْرَ الخُضْر ظرفٌ لهم، ثم عند مالك في «موطئه» في باب الشهيد «إنما نَسْمَةُ المؤمنِ طيرٌ يعلَّقُ في الجَنَّة». اهـ. وهذا بدلُّ على كونِه صفةً لعامَّة المؤمنين غيرِ الشهداءِ أيضًا.
قلت: أما الشهداءُ فقد جاءت تلك الصِّفةُ في صِنْفِهم لِعَمِلهم؛ وأما غيرُهم فعلعه يكون فيهم أيضًا مَنْ يكون على صِفَتهم، ثُم هذا أبدانُ مِثاليةٌ لهم، لا أنهم أرواحُ مجردةُ، ولعله عَجَّلَ لهم ارزاقَهُم قبل الحَشْر، وأما سائر الناس فقد أخَرَّ انتفاعُهم بها إلى يوم القيامة.
واعلم أن الحديثَ أَسْنَد الأَكْلَ والشُّرْب إلى النَّسمة دون البدن والجسد، فإِنَّه في التراب، فدلَّ على أن النَّسمة غيرُ الجسد، وكذلك غيرُ الرُوح، لأن الروح لا يُسْند إليها الأكلُ والشُّرْب، ما لم تتصل بجسدٍ مادي، أو مِثالي؛ ولذا لم يقل: إنَّ أرواحَ المؤمن طير ... الخ، ولكن قال: نَسْمة المؤمن.