للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قول موسى عليه الصلاة والسلام: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: ٨٨]، وأما الجواب عن الثاني: فإِنَّا نختارُ أن إيمانَه لم يكن مُعْتبرًا في ذلك الحين، لكنه خشي أن يُكْشَف عنه العذابُ، كما كُشِف عن قَوْم يُونس، فيعتبر إيمانُه كما اعتُبِر منهم، على ما حَرَّرنا، على أنَّ الرحمةَ ليست تحت القواعد، فخشي أَنْ تُدْرِكه الرحمةُ بلا موجِب (١). ومِن ههنا ظهر الجوابُ عَمَّا ذكره الشيخُ الأكبر، أنه وإنْ آمن بعد مشاهدةِ عذابِ الاستئصال، لكنه لم يُكْشف عنه، بل هلك فيه أيضًا، فكيف يُعْتبر به؟ وقد يُجاب بأنَّ قوله: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: ٩٠] دليلٌ على أنه كان في قَلْبه غشًا بعد، ولذا أحال على بني إسرائيل، ولم يقل: آمنت بالله، صراحةً.

قلتُ: وهذا ليس بشيءٍ، فإِنه إذا ثبت عنده أنَّ الدِّين دينُهم، وجَرَّب ذلك الآن، ناسب له أن يُحِيل على دينهم، وحينئذ لا يكونُ قَوْلُه من باب جواب المنافقين في القبور: سمعنا الناس يقولون قولًا فقلنا، بل يكون من باب قول السَّحَرةِ: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه: ٧٠].

قوله: (نُنَجِّيك بِبَدَنِك) وصَدَق اللَّهُ، حيث خرج اليوم جَسَدُه كما هو، وكان عند فراعنةِ مصر دواءٌ يَطْلُون به الأمواتَ، فتحفظ الأَبْدَان عن الفسادِ، ولذا كانت العرب يُحَنّطون عند القتال، كما مَرَّ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١١ - سُورَةُ هُودٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ

قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَصِيبٌ: شَدِيدٌ، لا جَرَمَ: بَلى. وَقالَ غَيْرُهُ: وَحاقَ: نَزَلَ، يَحِيقُ: يَنْزِلُ، يَؤوسٌ: فَعُولٌ مِنْ يَئِسْتُ، وقالَ مُجاهِدٌ: تَبْتَئِسْ: تَحْزَنْ، يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ شَكٌّ وَاللهفْتِراءٌ فِي الْحَقِّ، لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ: مِنَ الله إِنِ اسْتَطاعُوا.


= مرات، كل ذلك يَأبى أن يبايعَه، فبايعه بعد الثلاث. ثُم أقبل - صلى الله عليه وسلم - على أصحابِه، فقال: أما كان فيكم رجلٌ رشيدٌ، يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته، فيقتُلُه؛ قالوا: وما يدرينا يا رسولَ الله ما في نَفْسِك؟ أَلا ما أومأت إلينا بعينك؟، فقال عليه الصلاة والسلام: إنه لا ينبغي لنبيٍّ أنْ يكون له خائنةُ الأعين. وقد أخرجه ابنُ أبي شَيْبة، وأبو داود، والنَّسائي، وابن مَرْدُويه عن سَعد بن أبي وَقَّاص، وهو معروفٌ في السِّير، فإِنَّه ظاهِرٌ في أنَّ التوقُّف مُطْلقًا ليس -كما قالوه- كُفرًا، فليتأمل، مختصرًا "روح المعاني".
(١) قال بعضُ المحقِّقين: إنما فعل جبرئيلُ عليه السلام ما فعل غَضَبًا عليه لما صَدَر منه، وخَوْفًا أنه إذا كَرَّر ذلك رُبما قُبِل منه على سبيل خَرْق العادة، لِسِعة بحر الرحمة الذي يستغرقُ كلَّ شيء. وأما الرِّضاء بالكُفْر، فالحق إنه ليس بِكُفر مطلقًا، بل إذا استُحْسن، وإنما الكُفْر رضاءٌ بِكُفْر نفسه، كما في التأويلات لِعَلَم الهُدَى. اهـ "روح المعَاني".

<<  <  ج: ص:  >  >>