للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رضي الله عنهم ما نبَّهناك عليه، أَلا تَرَى أن أبا مَحْذُوْرَة (١) لم يَجِزَّ ناصيته بعدما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم مَسَحَ عليها، ومثله في الصحابة رضي الله عنهم كثيرٌ، وقد مرَّ منا مثله عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه مع عمر في الركعتين بعد العصر. وبالجملة: المسائل إنما تُؤْخَذُ من الأمر والنهي، لا من أذواق الناس، وإن للناس فيما يَعْشَقُون مذاهب.

١٥ - باب مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ

٦٢٦ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ. أطرافه ٩٩٤، ١١٢٣، ١١٦٠، ١١٧٠، ٦٣١٠ - تحفة ١٦٤٦٥

يعني من جَلَسَ في بيته ينتظر الإقامة، فهل يُسَوَّغُ له ذلك؟

٦٢٦ - قوله: (سَكَتَ المُؤذِّنُ بالأُولَى)، إنما سمَّاه بالأولى باعتبار الإِقامة، وليس بناؤه على تكرار الأذان، لأنه قد تحقَّق عندنا: أن التكرارَ لم يكن مستمرًّا، وإن عُمِلَ به في زمانٍ.

قوله: (ثم اضْطَجَع على شِقِّهِ الأيمن حتى يأتيهِ المُؤَذِّنُ للإِقامة)، وهذا نوعٌ آخر من الانتظار، فلا يتمسَّك منه أحدٌ على أنه صلى الله عليه وسلّم كان يَجْلِسُ في بيته، ثم يَخْرُجُ إذا سَمِعَ الإِقامَةَ. وعند أبي داود، عن ابن عمر رضي الله عنه: «إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم مرتين مرتين»، إلى أن قال: «فإذا سَمِعْنَا الإِقَامَة توضَّأنا، ثم خَرَجْنَا إلى الصلاة». اهـ. وما بلغتُ كُنْهَ مراده، ولعلَّه وَقَعَ فيه نقصٌ في التعبير ولا بدَّ، وإلا لَمْ يُعْرَف ذلك من حال الصحابة رضي الله عنهم (٢).


= وهذا يُفِيدُ أنهم لم يَعْمَلُوا بهما كلهم حينما عَمِلُوا، كما يَدُل عليه لفظ: "مِنْ"، ثم يُفِيدُ أنهم كانوا يريدون بذلك شَغْل الوقت بين الأذان والإقامة بعبادةٍ، كما اختاره المالكية بعد كل ترويحة، كما يَدُلُّ عليه لفظ: "حتى يَخرُجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -". ثم ظاهرُهُ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليصلِّيهما. ثم يُفِيدُ أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يراهم يُصَلُّون ويُقِرُّهم على شاكلة الجائزات فإن كنتَ من أهل الأذواق فذُق. "وهم كذلك يُصَلُّون" ... إلخ، ما يريد بذلك، ثُمَّ ارجع البصر كرتين إلى قوله: "يبتدرون" لِمَ يذكر الابتدار؟ وقوله: "حتى يَخْرُجَ" ... إلخ، ماذا كانوا يريدون منها؟ وقوله: "وهم كذلك يُصَلُّون"؛ يَدُلُّك إن شاء الله تعالى على أنه لم يُعْمَل بهما على طريق الاستحباب والسنية أبدًا، وإنما كانتا كالأمور الوقتية تجري ثم تنتهي، ولو كانت سنةً مطلوبةً، فأين كان الخلفاء عنها؟ حيث تركوهما كما صرَّح به النووي.
(١) ونظيره ما في "المشكاة"، في باب الترجُّل: عن أنس: "كانت لي ذُؤَابة، فقالت لي أمي: لا أَجُزُّهَا، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَمُدَهَا ويأخذها". رواه أبو داود. وعند أبي داود في الأذان، في حديث أبي مَحْذُوْرَة: "قال عبد الرزَّاق: فكان أبو مَحْذُورة لا يَجِزُّ ناصيته ولا يَفْرُقها، لأن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ عليها".
(٢) يقول العبدُ الضعيف: ويمكن أن يُعْتَذَرَ عنه: بأن أكثرهم كانوا يَصُومُون، فيشتغلون بالإفطار، حتى إذا أُقِيمَتِ الصلاة فَرَغُوا عنه وتوضَّأوا ... إلخ. فقد كان ابن عمر رضي الله عنه يُوضَعُ له الطعامُ وتُقَام الصلاة، فلا يأتيها حتى يَفْرُغَ، وإنه يسمع قراءة الإمام. ومن لا ينظر إعادته في الخارج يتعجَّب عليه، فيمكن أن يكون =

<<  <  ج: ص:  >  >>