للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٦ - بابٌ مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ

وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ: إِذَا عَلِمَ الْخَلِيطَانِ أَمْوَالَهُمَا فَلَا يُجْمَعُ مَالُهُمَا. وَقَالَ سُفْيَانُ لَا يَجِبُ حَتَّى يَتِمَّ لِهَذَا أَرْبَعُونَ شَاةً، وَلِهَذَا أَرْبَعُونَ شَاةً.

١٤٥١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ حَدَّثَنِى ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضى الله عنه - كَتَبَ لَهُ الَّتِى فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ». أطرافه ١٤٤٨، ١٤٥٠، ١٤٥٣، ١٤٥٤، ١٤٥٥، ٢٤٨٧، ٣١٠٦، ٥٨٧٨، ٦٩٥٥ تحفة ٦٥٨٢

قال الجمهور (١): إن المرادَ من المتفرقِ والمجتمعِ بحَسَب المكان، أي ما كان متفرقًا في


(١) قلت: ولم أر أحدًا بسط الكلام في شرح هاتين الجملتين، كما بسطه أبو عبيد، فألحقتُه، إيضاحًا للبيان، ولم أخش من التطويل والإِسهاب، وأتيت بغُرر النقولِ من غيره أيضًا، فإن المقامَ مَزَالُّ الأقدام، ولا تجدها في غير هذا التعليق إن شاء الله تعالى.
قال أبو عبيد: وقد تكلمت العلماء في تفسير الجمعِ بين المتفرق، والتفريقِ بين المجتمِعِ قديمًا، فمنهم الأوزاعي، وسفيان، ومالك بن أنس، والليث بن سعد. قال: فحدثني هشام بن إسماعيلِ الدمشقي، عن محمد بن شعيب، عن الأوزاعي، قال: قوله: "لا يفرق بين مجتمع، يقول: لا ينبغي للمُصّدِقَ إذا كان نفرٌ ثلاثة، لكل واحدٍ منهم أربعونَ وشاةً، وهم خُلطاءَ أن يأخذَ منهم أكثر من شاةٍ واحدةٍ، ولا يفرق بينها ثم يأخذ من كل أربعين واحدةً. ثم قال: وقوله: "ولا يُجمع بين متفرق" يقول: إذا كان لكلِ رجلٍ أربعون شاة على حدة، فلا ينبغي لهم أن يجمعوها، فيجِدُها المُصَّدِق مجتمعة، فلا يأخذُ منها إلا شاةً، والواجب عليهم فيها ثلاث. هذا قول الأوزاعي.
قال: وأخبرني ابنُ بكير عن مالك بن أنس، في قوله: "لا يجمع بين متفرق" مثل قول الأوزاعي سواء، وخالفه في الوجه الآخر.
قال: وقوله: "لا يفرق بين مجتمع" هو أن يكونَ الخليطان لهما مائتا شاةٍ وشاة، فيجبُ عليهم في ذلك ثلاثُ شياه، فيفرقان غنمهما حتى لا يجبُ على كل واحد منهما إلا شاة، فهذا قول مالك.
وأما سفيان بن سعيد، فالذي يروي عنه أصحابنا -وهو المعروف من قوله- أنه قال في قوله: "لا يجمع بين متفرق" مثل قول الأوزاعي، ومالك سواء، لم يختلفوا في هذه الخَلَّة.
قال: وأما قوله: "لا يفرق بين مجتمع" فإنه أن يكون عشرون مائة شاة لرجل واحدة، فلا ينبغي للمُصَّدِق أن يُفرِّقها ثلاث فِرق، ثم يأخذ من كل أربعين شاة؛ ولكن يأخذ منها جميعًا شاةً واحدة، لأنها مِلك لإِنسانٍ واحد؛ فهذا قول سفيان -وعليه أهل العراق-.
قال: حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، قال: قوله: "لا يفرق بين مجتمع" هي أن تكون أربعون شاة بين خليطين، فلا يُفرَّقُ بينهما في الصدقة؛ ولكن تؤخذ منهما شاة، لأنهما خليطان.
قال أبو عبيد: وأحسَبُه قال في قوله "لا يجمع بين متفرق" كقول الآخرين، فاجتمعوا أربعتهم: الأوزاعي، وسفيان، ومالك، والليث، في تأويل الجمع بين المتفرق؛ واختلفوا في التفريق بين المجتمع. فذهب مالكٌ وحدَه إلى أن النهي في الخلتين جميعًا، إنما وقع على أرباب المال، وتأولهما الآخرون. إن إحداهما لرب المال، والأخرى للمصدق. قال أبو عبيد: والوجه عندي في ذلكَ ما اجتمع عليه هؤلاء، لأن العُدوان لا يُؤمَنُ من المُصَّدِق، كما أنَّ الفِرَار من الصدقة لا يُؤمَنُ من رب المال، فأوعز النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهما جميعًا؛ وهو بَين في الحديث الذي ذكرناه عن سويد بن غَفَلَة حين حدث عن مُصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه قال: "إن في عهدي أن لا أفرقَ بين مجتمعٍ ولا أجمعَ بين متفرِق"، فقد أوضح لك هذا: بأن النهي للمصَّدِق. =

<<  <  ج: ص:  >  >>