وقال مالك في وجوب السُّكْنى: إنَّ القرآن أَوْجَب السُّكْنى للمعتدة، ولم يؤم فيه بتفصيلٍ بين الرجعية والمبتوتة، فإِذا لم يتعرّض إليه القرآنُ في موضع، ساغ لنا أن نَتَمسّك بالإِطلاق، فإِنّ الحُكْم إذا وَرَد عامًّا أو مُطْلقًا في مَحْلّ، وعلم المجتهدُ التّناسُبَ بين الوَصْف والحُكْم، يجوز له أن يَتَمسّك مِن مِثْل هذا الإِطلاق والعُموم.
وأما وجوبُ النَّفقة، فَتَفَقّه الإِمام فيه أنها في حَبْس الزَّوْج، فَتَجِب لها النفقةُ لا محالة. أما فاطمةُ فَأَمْرها أنَّ زَوْجَها كان أعطاها نَفَقَتها، كما عند الترمذي، إلا أنها كانت تَستقِلّها، فمعنى قوله:«لا نَفِقَة»، أي لا نَفَقة لك غير ما أُعْطِيت، فإِنَّ النفقةَ عندنا بحالِ الزوجين. ولقائل أن يقول: إنَّ النَّفَقة في المنكوحة إذا سقطت بالنُّشُوز، فينبغي أن تَسْقط في المبتوتة الناشزة أيضًا، إلَّا أنَّ سقوطها في المنكوحة إنما هو إذا خرجت من بيتِ زَوْجها. ولنا ما عن عُمر، فإِنه ردّ على فاطمةَ، وأفتى، كما اختاره الحنفيةُ، وقال: لا نَتْرك كتابَ اللَّهِ وسُنّة رسوله لقول امرأةٍ لا ندرِي أذكرت أم نَسِيت، كذا في مسلم. ومَرّ عليه أحمدُ، وتَبسّم، وقال: أين ذلك في كتاب الله وسُنة رسوله قلتُ: وعند الطحاوي: قال عمرُ: سَمِعت رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم يقول: لها السُّكْنى والنَّفقة اهـ. وفيه راوٍ حَسّنه بَعْضُهم، وتكلّم فيه بَعْضُهم، فالإِسناد عندي حسن. وأخرجه البيهقي أيضًا، إلاّ أنهم متى كانوا ليسلموه؟ وفي حديث عائشة الآتي حين قيل لها في شأن فاطمة، قالت: لا يَضُرّك، وفي روايةٍ أخرى عند الطحاوي:«تلك امرأةٌ أفتنت الناس».