واعلم (١) أنَّ المطلقةَ إما رجعية، أو مبتوتة. واتفقوا في الرجعية أنَّ لها النفقةَ، والسُّكْنى، والكلام في المبتوتة الحائل، فقال الإِمام الأَعْظم: إن لها السُّكْنى والنفقةُ أيضًا، وقال مالك، والشافعي: لها السُّكْنى دون النَّفقة، وقال أحمد: لا سُكْنى لها، ولا نفقةَ. والظاهر أنَّ المُصنِّف وافق الشافعيّ، ويحتمل أن يكون وافق أَبا حنيفةَ. أما أحمد، فلم يوافِقه أصلًا، وظاهر الحديث يؤيدُ أحمد، فاشتركنا كلّنا - غير أحمد - في الجواب عنه في السُّكْنى، وانفردنا في أَمْر النَّفَقة خَاصّة. فقالوا: إنَّ نفي السُّكنى لكونها ناشِزة، أو كانت بذيئةً تطيل لسانَها على أحمائها، فليست السُّكْنى منفيةً رأسًا، بل منفيةٌ في هذه الواقعة الجزئية، لما قلنا. وفي الأَحاديث أعذارٌ أُخرى أيضًا، مَنْ شاء فليراجعها من مَظانِّها.
(١) وراجع له "الجَوْهر النّقي"، وقد ذَكَر الشيخُ تمام الكلام في درس الترمذي فليراجع، وبسط الكلام فيه ابنُ رشد في "بداية المجتهد"، وقال في آخِر البحث: فلذلك الأوْلى في هذه المسألة إما أن يقال: إن لها الأمرين جميعًا مَصِيرًا إلى ظاهرِ الكتاب، والمعروف من السُّنة، وإما أن يُخَصّص هذا العمومُ بحديث فاطمةَ المذكور، وأما التفريق بين إيجاب النفقة والسُّكْنى، فعسيرٌ، وَوَجْه عُسْره ضَعْفُ دَليله. اهـ "بداية المجتهد".