وكيف وهم يشربون ما يحرُم عندك، قال: ذلك مبلَغُهم من العلم.
وكان ابن المبارك يكره شرب النبيذِ، ويخالِفُ فيه رأيَ المشايخ، وأهل البصرة. قال أبو بكر بن عياش: من أين جئت بهذا القول في كراهيتكَ النبيذَ، ومخالفتك أهل بلدك؟ قال: هو شيءٌ اخترته لنفسي، قلتُ: فتُعيبُ من شَرِبه؟ قال: لا، قلت: أنت، وما اخترت. وكان عبد الله بن داود يقول: ما هو عندي، وماء الفرات إلا سواء؛ وكان يقول: أكره إدارة القَدَح، وأكره نقيع الزيبيب، وأكره المُعتَّقَ، قال: ومن أدار القَدَح لم يجز شهادته. وشهد رجل عند سوار القاضي، فردَّ شهادَتَه، لأنه كان يشربُ النبيذ، فقال:
* أما الشرابُ، فإني غيرُ تارِكه، ... ولا شهادةَ لي، ما عَاش سوار
[حديث شبابة]
قال: حدثني غسان بن أبي صباح الكوفي، عن أبي سلمة يحيى بن دينار، عن أبي المظهر الوراق، قال: بينما زيد بن علي في بعض أزِقَّة الكوفة، إذ مر به رجل من الشيعة، فدعاه إلى منزله، وأحضر طعامًا، فتسامعت به الشيعة، فدخلوا عليه حتى غصَّ المجلس بهم، فأكلوا معه، ثم استسقى، فقيل له: أيُّ الشراب نسقيك يا ابن رسول الله؟ قال: أصلُبه وأشدُّه، فأتوه بعتيق من نبيذ، فشرب، وأدار العس عليهم، فشربوا، ثم قالوا: يا ابن رسول الله لو حدثتنا في هذا النبيذ بحديث رويته عن أبيك عن جدك، فإنَّ العلماءَ يختلفون فيه، قال:«نعم، حدثني أبي عن جدي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: لتركبنَّ طبقة بني إسرائيل حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل، ألا وإن الله ابتلى بني إسرائيل بنهر طالوت، أحل منه الغَرْفة، والغرفتين، وحرم منه الرَّي، وقد ابتلاكم بهذا النبيذ، أحل منه القليل، وحرم منه الكثير»، وكان أهل الكوفة يسمون النبيذ نهر طالوت؛ وقال فيه شاعرهم:
* أشرب على طرب من نهر طالوت ... حمراء صافية في لون ياقوت
* من كف ساحرة العينين شاطرة ... تربى على سحر هارون ومارت
* لها تماوت ألحاظ إذا نظرت ... فنار قلبك من تلك التماويت
١٦ - باب الشُّرْبِ قَائِمًا
٥٦١٥ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنِ النَّزَّالِ قَالَ أَتَى عَلِىٌّ - رضى الله عنه - عَلَى بَابِ الرَّحَبَةِ، فَشَرِبَ قَائِمًا فَقَالَ إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهْوَ قَائِمٌ، وَإِنِّى رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِى فَعَلْتُ. طرفه ٥٦١٦ - تحفة ١٠٢٩٣