للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا يخطرُ ببالنا النفاق، وذلك لأنهم كانوا أخشى خلقِ الله بعد الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام. وطريق الخائف أن يخافَ على نفسه كل حين، بخلاف غيرهم من الناس فإن قلوبَهم خاليةٌ عن تلك الخشية، فلا تذوقُ من ذلك الخوف ذواقًا، ومن لم يذق لم يدر، بخلاف الطالحين فإنه يُخاف عليهم النفاق لسوء أعمالهم.

٤٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنِ الْمُرْجِئَةِ، فَقَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ». طرفاه ٦٠٤٤، ٧٠٧٦ - تحفة ٩٢٤٣

٤٨ - (وقتاله كفر) قيل: مقابلته بالفسوق يقتضي أن يكونَ المرادُ من الكفر ههنا، الكفر المخرج عن الملة. والجواب: أنه أطلقَ الكفر على الفسوق تغليظًا، ولو قال: وقتاله فسوق، لساوى حال السِّباب، مع أن القتال أشدُ من السِّباب، فلإظهار هذه الشِّدة أطلقَ عليه الكفر. وهذا الذي يُعنونَ بقولهم: إنه محمولٌ على التغليظ.

والأصل: أن الحديث اتَّبع القرآن في ذلك، فإن الله تعالى أخبرَ عن جزاءِ القتل بالخلود - بأي معنى كان - والخلود جَزَاء الكفر، فاتبَّعه الحديث وقال: قتال المسلم كفر. وإن لم يحكم به الفقهاء في الدنيا، إلا أن الحديثَ يختارُ من التعبيرات ما هو أدعى للعمل فيشددُ فيه لا محالة.

وقال الدَّوَّاني: إنه وعيدٌ ويجوز الخُلْفُ في الوعيد. وأنت تعلم أنه إنشاءٌ لا خبر. وقيل: إنه محمولٌ على التَّشبُه كقوله: «لا تَرْجِعُوا بعدي كفارًا يضربُ بعضُكم رقاب بعض» ومعلومٌ أن المرءَ لا يصير كافرًا بضرب الرقاب، ولكن لما كان شأنُ القتل أن يجري بين مسلم وكافر، لا بين مسلم ومسلم فمن ضرب رقبة أخيه وقاتل، فقد تشبه بالكفار، وفعل ما يفعلُهُ الكفار، ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم. وهذا هو المختار عندي في الجواب، والله أعلم.

[فائدة]

قد سمعت أن بين هذه الأبواب الأربعة مناسبةً وارتباطًا، الأول: باب المعاصي من أمر الجاهلية. والثاني: باب كفرٌ دون كفر، والثالث: باب ظلمٌ دون ظلم. والرابع: باب خوف المؤمن أن يحبط عمله ... إلخ، فإن فيها على المشهور إيمَاضًا إلى ما نقلته عن ابن تيمية وتأويلًا للأحاديث التي أُطلقَ فيها الكفرُ على المعاصي. وقد بنيت لك ما سَنَحَ لي فيها - والله أعلم - لأن كلامَه مبهمٌ، فلكلٍ وجهةٌ هو مُوَلِيها. أما مطابقةُ جوابِ أبي وائل للسؤال عنهم، فبأن مقتضى الحديثِ تعظيمُ حق المسلم، والحكمُ بالفِسق على من سَبَّه بغير حق، وبالكفرِ على من قاتله، فكأنه قال: كيف تكون مقالة المرجئة حقًا والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول هذا؟

٤٩ - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>