للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وما قاله المالكية رحمهم الله تعالى: إنَّ الجالِس ليس له أن يؤمَّ القائمين ولا الجالسين، فمرادُهم أيضًا أنه لا ينبغي له ذلك، وأيُّ حاجةٍ إلى إِمامتِهِ إذا تيسَّر له الإمامُ الصحيح. لأن الوليد بنَ مسلم روى عن مالك رحمه الله تعالى أن الجالسَ لو قام خَلْفَ القاعِدِ فهو جائزٌ. فانكشف منه أَنَّ نهيه عن إمامةِ المعذور كان على طريقِ الأنبياء.

وأما أحمدُ رحمه الله تعالى فإنَّه فَرَّق بين القعودِ الأَصلي والطارىء. وذلك لأنه فَهِم أن تقبيحَ القيامِ خَلْفَ القاعد لمشابهةِ الأعاجم في قيامهم لعظمائهم، فإذا كان القعودُ طارئًا ارْتَفَعَ مناطُ التقبيح، لأن قعودَ الإمام مِنْ عُذْر سماوي ولا ذَنْب فيه للمُقْتَدِين فلا لَوْم عليهم في قيامهم، لأنه لا يكون حينئذٍ من قيامِ الأعاجم كما هو ظاهر. ولذا عَنَّفهم في واقعة الجحوش، لكونه مُصَلِّيَا في بيته، وتعنَّت هؤلاءِ في الاقتداء به في اليوم الثاني أيضًا. وإنما أغمض عنهم في قِصة مَرَضِ الموت لأنه هو الذي خرج إليهم فأمَّهُم، فلم يكونوا مْتَعَنِّتِين أصلا. وما فَصَّله ابن حِبان من كون الصلاةِ في تلك الواقعة فريضةً أو نافلةً فلا دخل له أصلا، ولا إيماءً إليه في لفظه صلى الله عليه وسلّم والله تعالى أعلم.

١٨ - باب صَلَاةِ الْقَاعِدِ بِالإِيمَاءِ

١١١٦ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ - وَكَانَ رَجُلاً مَبْسُورًا - وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ مَرَّةً عَنْ عِمْرَانَ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَهْوَ قَاعِدٌ فَقَالَ «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهْوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نَائِمًا عِنْدِى مُضْطَجِعًا هَا هُنَا. طرفاه ١١١٥، ١١١٧ - تحفة ١٠٨٣١

قيل: إن الحديثَ لا ذِكْر فيه للإِيماء، فكيف ترجم به؟ وأجيب أنه يمكن أن يكونَ في نسخة المصنف «بإيماء» مكان نائمًا، وقيل: إن نظره إلى لفظ النَّسائي وفيه «بإيماء». ثم اتفق المحدِّثون على أنه تصحيفٌ، والصواب «نائمًا»، فلا يمكن بناءُ الترجمة عليها أيضًا. فإن قلت: إن النائِمَ فَسَّره المُحشِّي بالمضطجع، والمضطجع لا يصلِّي إلا بالإيماء فَثَبَتْ ترجَمَتُهُ. قلتُ: هَبَّ، لكنَّ المصنف رحمه الله تعالى ترجم بإيماء القاعد دون المضطجع. ويمكن أن تُحمل ترجمتُهُ على رأي الذين يُجوِّزون الإيماءَ حالَ القعود أيضًا، كما في «الفتح»، فتصِحُّ ترجمته على مذهبِ هذا البعض. وعندي نَظَرُهُ إلى أَنَّ القاعِدَ له نِصْفُ الأجر كما نطق به الحديثُ، مع أنه لم يترك إلا القيامَ، فلا وَجْه له إلا أنه بالقعود نَقَص في ركوعه وسجوده أيضًا، كما في الحِسّ أنَّ الرُّكوعَ من القيام أتمُّ منه من القعود، وكذلك السجود، فإنَّ الانخفاضَ في سجدةِ القائم يَحْصُل ما لا يَحْصُل في سجدة القاعد، فإذا أدخل النقيصةَ في أركان الصلاة، وكانت تلك الثلاثةُ أركانَها، حَسُن تنصيفُ الأَجر، ثم إنه لا بُعْد أن يُعبِّر عن هذين الركوع والسجود الناقِصَين بالإِيماء وإن عَبَّر عنهما الفقهاءُ بالركوع والسجود. ولا يجب على المصنف رحمه الله تعالى أن يَتَّبِعهم في التعبير أيضًا، ألا ترى أنَّ الحديثَ سَمَّى سجودَ تارك التعديل

<<  <  ج: ص:  >  >>