الغِفَاري قال: كان قَتْلَى أُحُد يُؤتَى بِستعة وعاشرُهم حمزةُ رضي اللَّهُ عنه. فيصلِّى عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم ثُمَّ يُحملون. ثُم يُؤتَى بتسعةٍ فَيُصلِّي عليهم وحمزةُ مكانَه، حتى صلَّى عليهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم ولخَّص الذهبيُّ كتاب البيهقي - ولم يُطبع - ومرَّ فيه البيهقي على رواياتِ الطحاوي تلك، وظن أسانيدَه مستقيمةً ولم يَرَ فيها بأسًا.
قلت: ولعلَّه تَرك حمزةَ رضي اللَّهُ عنه مكانَه في كلِّ مرةٍ لمزيدِ البركة، فإِنَّه يُبعث يومَ القيامةِ سيدَ الشهداءِ وإن كفت الصلاة مرةً أيضًا. ثُم عند أبي داود في باب الشهيد يُغَسَّل عن أنس:«أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم مرَّ بحمزةَ رضي الله عنه وقد مُثِّل به، ولم يُصَلِّ على أَحَدٍ من الشهداء غيرِه». ومرادُه أنه لم يُصلِّ مستقِلا إِلا على حمزةَ رضي الله عنه كما علمت. فإِنَّه لما كان موجودًا في كلِّ مرةٍ، وكان الآخَرُون يحملونَ واحدًا بَعْد واحدٍ، فكأنَّه صلَّى عليه مستَقِلاّ ولم يُصَلِّ على غيره. كذلك وسأل ابنُ الماجِشُون مالِكًا رحمه الله عن الصلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فأجاب: أنَّه صلَّى عليه كما صلَّى على حمزة رضي الله عنه. وفي السِّير: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم صلَّى عليه عِدَّةَ صلواتٍ. فسأله ابنُ الماجِشون مِن أين تقول هذا؟ فسرَد مالك رحمه الله تعالى إسنادَه. وقد استوفينا دلائلُه فيما ألقيناه في درس الترمذي.
أما وَجْه الخلافِ في الصلاةِ عليهم مع كونِ المسألةِ مما يَكْثُر بها البلوى: أنَّ الأَصْلَ في هذا البابِ هو غزوةُ أُحُد، وقد جُمِعَ فيها رجالٌ في صلاةٍ، فعدها بَعْضِهم صلاةً، ولم يعتبرْها بعضُهم لعدم كونها على الشاكلة المعروفةِ، فإِنَّها لم تكن عليهم فُرَادَى فُرَادَى، على أنَّ الشهداءَ يفقدون من المعركة كثيرًا كما يكون اليوم أيضًا، فلا يُصلَّى عليهم. فإِذا صُلِّي على البَعْضِ دون البَعْضِ سرى الخلافْ أَلا ترى أن مالكًا رحمه الله تعالى بنى تفصيلَه في الصلاة كلَّه على شهداءِ أُحُدٍ فندخل في ضمان الله تعالى كما دخلوا، ونستغني عن الصلاةِ كما استغنوا. وإنْ خرجنا إليهم انتفت تلك المظلوميةُ ولا نكون في معنى شهداء أُحُدٍ، وحينئذٍ يُصلَّى على قتلانا.
٧٣ - باب دَفْنِ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فِى قَبْرٍ
وإنما احتاجوا إليه لكثرة القَتْلى، وإِلا فالجَمْع لا يجوزُ.
= بتشريع كما في "العارضة". وقد نَقَلْنا عبارته فيما مَرَّ فهكذا حمزَة رضي الله عنه، لو تركه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كذلك لم يكن ذلك تشريعًا وسُنَّةً عامة، بل كان حُكمًا مخصوصًا خُصَّ به سيدُ الشهداءِ، وحينئذٍ لا حاجةَ إلى التأويل في دفن سائر الشهداء، بل هم على الأصل. نعم لو ترِك حمزة رضي الله عنه لكان خلافَ سُنةِ الشهداءِ، واحتاج إلى نكتة.