ولفظ «الوراء» يقتضي أن يكون الإِمامُ أَمَامَهم، وسائر النَّاس خَلْفه، وليس بمراد؛ بل المرادُ به الوراثيةُ المعنوية، أي تحت تدبير الإمام، وظِلَّه وحمايته، وكَنَفَ جِواره، وعند مسلم في «باب ائتمام المأموم بإِمام» عن أبي هريرة مرفوعًا: «إنَّما الإِمامُ جُنَّةٌ، فإِذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا» ... الخ. وهو عندي وَهْم (١)، لأن القطعة الأُولى وردت في الجهاد، وإطاعة الأمير، والثانية في الصلاة؛ فانتقل الراوي من حال الإِمام في الجهاد إلى حالة في الصلاة، فضم تلك القِطْعة بقطعة الصلاة نظرًا إلى أَنَّ طاعة الإِمام واجبةٌ في المَوْضعين، وإلا فليست تلك القطعة في إطاعة الإِمام في الصلاة عندي، وإن كان في الحديث المذكورُ على السِّياق المذكور مفيدًا للحنفية في جزاز القعود في صلاة الخوف، بدون عُذْر، كما هو مذهبنا؛ إلا أن الوُجْدان يَحْكُمِ بِكَوْن السَّياق المَذْكور، وَهْمًا من الراوي، فبناء المسألةِ عليه خروجٌ عن حِمى الحقِّ.
٢٩٦٠ - حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِى عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ - رضى الله عنه - قَالَ بَايَعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قَالَ «يَا ابْنَ
(١) ويدل عليه ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة مرفوعًا: قال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطيع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنما الإِمام جنة يقاتل من ورائه، ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله، وعدل، فإن له بذلك أجرًا، قال بغير، فإن عليه منه، اهـ: وهذا صريح في كون القطعة المذكورة جزء لحديث الجهاد.