٢٩٦٢ و ٢٩٦٣ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ عَنْ مُجَاشِعٍ - رضى الله عنه - قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَأَخِى فَقُلْتُ بَايِعْنَا عَلَى الْهِجْرَةِ. فَقَالَ «مَضَتِ الْهِجْرَةُ لأَهْلِهَا». فَقُلْتُ عَلَامَ تُبَايِعُنَا قَالَ «عَلَى الإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ». حديث ٢٩٦٢ أطرافه ٣٠٧٨، ٤٣٠٥، ٤٣٠٧ - تحفة ١١٢١٠ حديث ٢٩٦٣ أطرافه ٣٠٧٩، ٤٣٠٦، ٤٣٠٨
وهذا النِّزاعُ من باب النِّنزاع اللفظي. فَمن أَنْكر البيعةَ على الموتِ، أراد أن الموتَ ليس مقصودًا؛ فالبيعةُ وقعت على عَدَمِ الفِرار، ومَنْ أثبته لم يَر بها إلا عدمُ الفِرار، وإنْ أَشْرفوا على الموت، فلا نِزاع بعد الإمعان.
٢٩٦١ - قوله:(قال: با ابنَ الأَكْوَع، ألا تُبايعُ؟ قال: قُلْتُ: قد بَايَعْتُ يا رسول الله، قال: وأيضًا بايَعْتُهُ الثانية) قال الشارحون: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم بايعه مرتين، لكونِه شجاعًا شديدَ العدّو، فأحبَّ أن يأخذ منه البيعةُ مَرّتَيْن، لمزيد الاستيثاق. والأَمْر (١) عندي أن ابنَ الأَكْوع إنما بايعهُ مرةً ثانيةً احترازًا عن صورةِ الانحراف، ورعايةً لما سبق له من سانه:«ألا تُبايع»؟ فبادر إليها ثانيةً.
(١) واعلم أن مدارِكَ الشيخ لا تكادُ تُدْرك، ولعلَّه عدل ههنا عن توجيه الشارحين. لأنه يُؤذن بأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَحُسُّ منه ضعفًا، فاحتاج إلى مزيد الاستيثاق، وفيه سوءُ الظنِّ بصحابي ثَبَت منه الثباثُ والسماحةُ في كثيرٍ من المواضع، وكذا عدل الشيخُ فيما مرّ عن القول برجوع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في قصَّة الإِحراق؛ وأي حاجةٍ إلى التزام الرجوعِ مع التفصِّي عنه بأحسن وَجْه، وكان مِن دَأبِه أنه لم يكن يَنْسُب الرجوع إلى جانب الأئمة وجَنَابهم إلا قليلًا؛ فكيف إلى حَضْرةِ الرِّسالة! وقد عَلِمت أنه لم يكن قائِلًا بالنَّسخ إلا في صورٍ قليلةٍ، وقد ادَّعى في آخر عُمُرِه أنه ما مِن آيةٍ إلَّا وهي مُحْكَمةُ في جِنْس الحُكْم، فارتفع عنده بابُ النَّسْخ على اصطلاحه، فإِذا هدم هذا الباب رأسًا، عدل عن فروعه وفصوله أيضًا. فافهم، فإنَّ لكل فن رجالًا، ولكل رجلٍ مَلْحظًا واصطلاحًا، فإِنَّه ليس فيه إلَّا تسويةٌ للتعبير، لا تغييرٌ للمسألةِ، وقد فعل مِثحلَه في مواضع، هذا ما لديَّ مِن مراده، والله أعلم بالصواب.