للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشرعَ فعلمتُ أن الفعلَ الواحدَ إذا تقوّم من متعدد، فإِنه يُطلق على كلِّهم اسمًا واحدًا، كما مر في الحديث السابق. «فهو أحد المتصدقين». فجعل الخازن أيضًا متصدقًا.

[إنصات المقتدي خلف الإمام]

وهو معنى قول صاحب «الهداية»: إن حظ المقتدي من القراءة هو الإِنصات - يعني أن القراءةَ فعلٌ واحدٌ يتقوَّمُ من الجماعة - بمعنى أنه لا بد له لتكميله شيءٌ من الإِمام، وشيء من المقتدين.

ثم يتم هذا الفعل من المجموع، فالقراءة تكونُ من الإِمام. ولكنها لا تتم ما دام يقرأ المقتدي، فعليه أن ينصتَ ليتمكن الإِمامُ من قراءته، بدون مُنازعة، فالقراءة فعلٌ واحدٌ يتحصَّلُ من المجموع، فهذا قارىءٌ، وهذا منصت لقراءته، فكأن إنصاتَه استظهارٌ لها. فحظُّ المقتدي منها هو الإِنصات، فالقراءة على ما هي عليه، إنما تتحصَّلُ من المجموع من حيث المجموع، وهي من هذه الحيثية فعلٌ واحد، وإن تركَّبَ من الفعلين عند التحليل، أعني قراءةَ الإِمام، وإنصاتَ المفتدي، إلا أنها عند التركيب فعلٌ واحد، وعلى هذا النظر، لو شئتَ سميتَ المفتدي أيضًا قارئًا، إلا أن حظَّهُ منها هو الإِنصاتُ، فافهم، ولا تعجل في الردّ والقَبُول.

٢٨ - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (١٠)} [الليل: ٥ - ١٠]

«اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقَ مَالٍ خَلَفًا».

١٤٤٢ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِى أَخِى عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى مُزَرِّدٍ عَنْ أَبِى الْحُبَابِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَاّ مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا». تحفة ١٣٣٨١

قوله: ({فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}) ... إلخ، واعلم أنك قد عرفتَ منا فيما سبقَ أنَّ الكفرَ قد يُزاد على الكفر المكتسب نِقمةً وعذابًا، فكذلك الحسناتُ أيضًا، يمكن أن تُزاد عليها جزاءً ورحمة، فإنَّ العبد إذا أحسنَ طاعة ربه، فالله يزيدُ له حسنًا على حُسْنِهِ، ويوفقه لليسرى والحسنات الأخرى. ولا بُعد أن تكونَ في تلك الآية إشارةٌ إليه. ثم يدخل فيها مسألة التقدير، وأجاد فيه الشاه عبد القادر رحمه الله في «الفوائد»، فراجعها من الكهف، من قوله تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩].

والذي نلقي عليك شطرًا مما سَنَحَ لنا، أن الأسبابَ والمُسبِّبَات كلها إنما هي باعتبار حسّنا وحِسْبَتِنا في ذلك العالم، فهذا مؤثرٌ، وهذا متأثرٌ، أما بالنظر إلى عالَم الغيبْ - فلا مؤثِّر هو، إلا أن مشاهدتنا لمّا اقتصرت على هذا العالم فقط، ولم تتجاوز إلى عالم الغيب وإنما عرَّفَناه من

<<  <  ج: ص:  >  >>