وفي الغالب لا يَفْعَل ذلك إلا مُعْدَمٌ محتاجٌ، فإذا رأى أن المستحق يُؤَخِّرُ مطالبته، ويَصِبرُ عليه بزيادة في بذلها، تكلف بذلها، ليفتدي من أسر المطالبة والحبس، ويدافع من وقتٍ إلى وقتٍ، فيشتدُّ ضرره، وتَعْظُم مصيبته، وَيعْلوه الدينُ حتى يَستَغْرِقَ جميع موجوده. فَيَرْبُو المال على المحتاج من غير نفع يَحْصُلُ، ويزيد مال المُرَابي من غير نفعٍ يَحْصُل منه لأخيه، فيأكلُ مال أخيه بالباطل، وَيحْصُل أخوه على غاية الضرر. فمن رحمة أرحم الراحمين، وحكمته، وإحسانه إلى خلقه، أن حرَّم الربا، ولعن آكلَه، ومُوكِلَه، وكَاتِبَه، وشَاهِدَه، وآذَنَ من لم يَدَعهُ بحربه وحرب رسوله. ولم يجىء مثل هذا الوعيد في كبيرةٍ غيره، ولهذا كان من أكبر الكبائر. وسُئِل الإِمام أحمد عن الربا الذي لا شك فيه، فقال: هو أن يكونَ له دينٌ، فيقول له: أتقضي أم تُرْبي، فإن لم يَقضِهِ زاده في المال، وزاده هذا في الأجل. وقد جَعَلَ الله سبحانه وتعالى الربا ضد الصدقة، فالمُرَابي ضد المتصدِّق، قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: ٢٧٦]، وقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)} [الروم: ٣٩]. فنهى الله سبحانه وتعالى عن الربا الذي هو ظلمٌ للناس، وأمر بالصدقة التي هي إحسانٌ إليهم. وفي "الصحيحين" من حديث ابن عباس، عن أسامة بن زيد: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنما الرِّبا في النَّسِيئة". وأما ربا الفضل، فتحريمُه من باب سدِّ الذرائع، كما صرَّح به في حديث أبي سعيد الخُدْرِي، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبيعوا الدِرْهَمَ بالدرهمين، فإني أخاف عليكم الرما"، والرما هو الربا. فمنعهم من ربا الفضل، لما يخافه عليهم من ربا النسيئة. وذلك أنهم إذا بَاعُوا دِرْهمًا بدرهمين -ولا يُفْعَلُ هذا إلَّا للتفاوت الذي بين النوعين، إما في الجَوْدَة، =