ثم ترجم المصنِّفُ بعده: باب من أنظر معسرًا، وذلك لاختلاف لفظ الحديث عنده، ففي لفظٍ:«ويَتَجَاوَزُوا عن المُوسِر»، وفي لفظٍ:«فإذا رأى مُعْسِرًا، قال لفتيانه: تَجَاوَزُوا عنه». ففيه التَّجَاوُزُ عن المُعْسِر، وهذا دَأْب المصنِّف: أن الحديثَ إذا اخْتَلَفَتْ ألفاظه، ولم يترجَّح عنده واحدٌ منهما، يُتَرْجِمُ عليه باللفظين، والفصلُ عندي في نحو هذه المواضع: أن يُؤْخَذَ بما كان أقرب إلى الوجدان، ولا يُعْبَأُ بما سواه. كما أن الظاهرَ مع التَّجاوُزِ لفظ:«المعْسِرِ»، فَيُحْمَلُ ذكر المُوسِرِ على تصرُّف من أحد الرواة، لأن المُعْسِرَ هو الذي يَحْتَاجُ إلى التجاوز عنه دون المُوسِر.
ولذا ترى في لفظ نُعَيْم بن أبي هِنْدٍ، عن رَبْعِي عنده:«فأَقْبَلُ من المُوسِر، وأَتَجَاوَزُ عن المُعْسِر»، فلا ينبغي في مثل هذه المواضع تراجم مختلفة. وإنما يَفْعَلُ مثله حيث لا يُمْكِنُ الترجيح فيه، كما في قوله:«إذا أمَّن الإِمامُ فأمِّنُوا»، وفي لفظٍ:«إذا امَّن القاريء» ... إلخ. فالفصلُ فيه مُشْكِلٌ، فإن الإِمامَ مختصٌّ بالصلاة، والقاريء يكون في الخارج أيضًا، ولا يتبيَّن لفظ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم من غيره، فإن فيهما معنىً صحيح، بخلاف الاختلاف في المُعْسِرِ والمُوسِرِ.