للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في اللغة: ما لا غِش فيه. وفي الاصطلاح: قريب من معنى الحنيف، ثم لا تعارضَ بينه وبين ما رُوي: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» فإن الأول فيمن يدخل في الشفاعة. والثاني فيمت يظهرُ في حقِّه النفع الكثير. وكذا لا يخالفُ ما عند البخاري ومسلم: «أن قومًا يخرجون بلا عمل عَمِلُوه بقبضة الرحمن ولا يكونُ خروجهم بيد النبي صلى الله عليه وسلّم فإنه يدل على أن شفاعته مختصةٌ بالعاملين. وأما الذين لا عملَ لهم فإنهم يخرجونَ بقبضة الرحمن، ولا تنفع الشفاعة فيهم مع وجود كلمة التوحيد عندهم. قلنا: إن الشفاعة نفعت لهم أيضًا، بيد أنَّ الرحمنَ توكَّل بإخراجهم ولم يفوضه إلى أحد، فهؤلاء أيضًا يخلصون عن النار ببركة الشفاعة، إلا أنهم لا يخرجونَ بيده الكريمة، بل يتولاهُم الرحمن بنفسه وقد بينا سره في كتاب الإيمان (١).

٣٥ - باب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ

وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّى خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ، وَلَا تَقْبَلْ إِلَاّ حَدِيثَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلْتُفْشُوا الْعِلْمَ، وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لَا يَعْلَمُ، فَإِنَّ الْعِلْمَ لَا يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا.

١٠٠ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».

قَالَ الْفِرَبْرِىُّ حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ قَالَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ. طرفه ٧٣٠٧ - تحفة ٨٨٨٣

قوله: (أبو بكر بن حزم) قاضي المدينة "دروس" وحقيقته الفَنَاءُ بعد البِلى تدريجًا "يعني برانا بن بيدا هونا أو رفنا هوتى جانا".

والتحقيق عندي: أن كل شيء يمر عليه الزمان فإنه يندرسُ ويفْنَى تدريجًا، أي يَبْلى فيبلى ثم يَفْنى. ولذا ترى الأجساد أنها تندرسُ لأنها يمر عليها الزمان. ولما كان الله عز وجل لا تبلغُ شائبةُ الاندارس إلى جَنَابِ قُدْسِهِ، كان عاليًا عن الزمان أيضًا.


(١) وتفصيله أن المؤمنين العاصين حين يدخلون في جهنم يُحرَّمُ عليها أن تأكلَ وجوههم. وقيل: بل أعضاء الوضوء كلها، وكيفما كان يعرفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بسلامة وجوههم أو الأعضاء منهم فيخرجُهم عن النار. أما الذين لا عَمَلَ عندهم ولا خير، فيمتحشون مطلقًا وتتغيرُ وجوهُهم أيضًا، ولا يبقى سبيلٌ إلى معرفتِهم فلا يقدِرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - على إخراجهم بيده الكريمة، إلّا أن شفاعتَه تشملُ لكل من قال: لا إله إلّا الله، فيخرجهم الله تعالى بعلمِه المحيط من أجل شفاعة حبيبه - صلى الله عليه وسلم - لهم. ومن هنا تبين أن الشفاعة ظهرت فيهم أيضًا وإن تكفَّل بإخراجهم الرحمن، والله تعالى أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>