فدخلوا في صلاته تحصيلا للبركة على عادتهم، حيثما رأوه يُصلي اقتدَوا به كما فعلوا في رمضان، فلم يخرج إليهم خشيةَ أَنْ تفترضَ عليهم، فلم تكن صلاتُهم تلك لإِدْراكِ الفريضة، بل لتحصيلِ البركةِ، فكانت هذه صلاة لا تدعى لها، بل التي تكونُ في البيوت. وإنما جاء من جاء للعيادة فاتفق أنْ وَجَدَهُ يُصلي فدخلَ معه لطوعه، وحملَه الناسُ على الفريضة ثم عمّموها. وسنقرره إن شاء الله تعالى بوجه أبسط منه فراجعه من بابه.
فإن قلت: إن الناسخَ لحديث السقوط عند من زَعَمَ النسخَ، صلاتُهُ صلى الله عليه وسلّم في مرض موتهِ، وللرواةِ فيها اضطرابٌ في كونه إمامًا ومأمومًا. قلت: وهذا إنما يَرِدُ على مَنْ ذهب إلى وحدة الخروج كالشافعي رحمه الله تعالى، أما أنا فقد التزمتُ الخروجَ في أربع صلوات، فكان إمامًا في بعض دون بعض، على أن حديثَ الحنابلة أيضًا لا يخلو عن اضطراب، لما عند مسلم:«فصلى بنا قاعدًا، فصلينا وراءه قعودًا»، وهذا يخالفُ ظاهرَ حديث أنسٍ رضي الله عنه ههنا، وللتأويلِ مجالٌ وسيعٌ، فاضطرب حديثُ السقوطِ أيضًا.
[مسألة]
وليعلم أن المسألةَ فيمن دخلَ المسجد وقد صلى، أنه يُعيد الظهرَ والعشاءَ. وفي «فتح القدير»: أنه ينوي النفل. قلت: وفيه تسامحٌ، بل المذهب أنه يُعيدُ ويصلي تلك الصلاة بعينها، نعم، تقع عنه نفلا لسقوط الفريضة عنه من أولها. كما أن الصبيانَ يصلون الظهرَ والعصرَ مثلا، ثم لا يقع منهم إلا نفلا. والعجب أن الحافظ رحمه الله تعالى نقلَ مذهبَنَا صحيحًا مع أنه شافعيٌ، والحنفية يغلَطُون فيه. وهكذا في «المبسوط» للجُوْزَجاني، و «الجامع الصغير»، وكتاب «الآثار»، وكتاب «الحجج»، و «الموطأ» لمحمد، وبه صرح الطحاوي. وسيجيء بسطُهُ في صلاة معاذ رضي الله عنه مع قومه، فانتظره.
فالمذهبُ هو الإِعادَةُ دون التنفُّلِ فاعلمه، فإِنه ينفعكَ في كثير من الأحاديث.
قوله:(فقال: إن الشهر) ... إلخ يعني قد يكون الشهرُ تسعًا وعشرين. ثم إنهم اختلفوا في سبب الإِيلاء، فقيل: قِصة مارية القِبْطية، وقيل: طلبهنَّ النفقة، وقيل: قِصة العسلِ.
١٩ - باب إِذَا أَصَابَ ثَوْبُ الْمُصَلِّى امْرَأَتَهُ إِذَا سَجَدَ