للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لأنه كان معاملةَ ألوف من الصحابة، فنقل كلٌّ منهم حَسَبَ ما سمع من تلبية النبي صلى الله عليه وسلّم وأنت تعلَمُ أن القارن له أن يُلبي كيف شاء. فمن سمع منه: لبيك بحجة زَعَمَ أنه مفرد، وأصاب حَسَب زعمه، وكذلك من سمع: لبيك بعمرة، ظنَّ أنه متمتِّع، والأمر ما قررنا. وإنما لم نبسط في إثبات قِرَانه صلى الله عليه وسلّم لأنَّ علماءَ المذاهب الأربع، كادوا أن يتفقوا على ذلك، بل قد اتفقوا مع اختلافٍ بينهم، في أنه كان معتمرًا في أول أمره، ثم قَرَن، أو كان قارنًا من أول الأمر. وراجع «الطحاوي» فإنَّه قد بَسَطَ الكلامَ في المسألة بما لا مزيد عليه. ونقل القاضي عِيَاض أنَّه صنف في إثبات قِرَانه صلى الله عليه وسلّم ألفَ ورقةٍ. وأرى أنَّ للمالكيّة اعتناءً بتصانيف الطحاوي أزيدَ من الحنفية.

١٧ - باب غَسْلِ الْخَلُوقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنَ الثِّيَابِ

واعلم أنَّ الخَلُوق اسم لنوع من الطيب، يُجعل فيه الزعفران، والزعفرانُ مباحٌ أكلا، ومحرم تطيُّبًا لأجل اللون، لا أريد للمحرم، بل للرجل في سائر أحواله. ثم إنَّ من تطيَّبَ قَبْل الإِحرام (١)، وبقي أثره، أو عينُه بعده جاز عندنا، وإنما محذورُ إحرامه أن يتطيَّبَ بعد الإِحرام بخلاف اللباس، فإنَّ المحظورَ منه محظورٌ ابتداءً وبقاءً. وقالت المالكية: إن الباقي إن كان أثرًا للطيب، فجائزٌ، وإن كان عليه فلا.

١٥٣٦ - قَالَ أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّ يَعْلَى قَالَ لِعُمَرَ - رضى الله عنه - أَرِنِى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ قَالَ فَبَيْنَمَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجِعْرَانَةِ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِى رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَهْوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَسَكَتَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاعَةً فَجَاءَهُ الْوَحْىُ، فَأَشَارَ عُمَرُ - رضى الله عنه - إِلَى يَعْلَى، فَجَاءَ يَعْلَى، وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ


= والثالث: ما ذكره الخَطَّابي، قال: إن الشافعي قد أنعم بيان هذا المعنى، أن المعلومَ في لغة العرب جواز إضافةِ الفعل إلى الآمر به، كجواز إضافته إلى الفاعل له. وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. منهم المفرد، والقارن، والمتمتع، فجاز أن تضاف كلها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحتملُ وجهًا آخر، وهو أن يكونَ بعضُهم سمعه يقول: لبيك بحج، فحكى أنه أفرَدَها، وخَفي عليه قوله: وعمرة، فلم يحك إلا ما سمع، ووعى غيره الزيادة، فرواها، ولا تنكرُ
الزيادات في الأخبار، كما لا تنكر في الشهادات. وقد يحتمل أيضًا أن يكونَ الراوي سمع ذلك، يقوله على سبيل التعليم لغيره. وهذه الروايات على اختلافها في الظاهر، ليس فيها تكاذبٌ. ولا تهاترٌ، والتوفيق بينهما ممكن. انتهى "معالم" ص ١٦٢ ج - ٢. مختصر.
(*) قوله: "كان معه واجبًا" كذا في الأصل المنقول، والمنقول عنه، ولينظر فيه (المصحح).
(١) قلت: ولعل هذا الطيب كان هو الخَلُوق، وهو ممنوعٌ مطلقًا، سواء كان قبل الإِحرام، أو بعده كما يظهرُ من تبويب البخاري. وحينئذٍ يخرج الكلامُ عما نحن فيه، فإنَّه لا تكون فيه مسألة الطيب في الإِحرام، بل ترجع إلى استعمال الخلوق، هكذا يُستفاد من بعض ما كُتِب عن الشيخ. ويدل عليه ما قال الخَطَّابي: ص ١٧٥ - ج ٢: وقد يَتَوهم من لا ينعم النظر أن أمرَهُ إياه بغسلِ أثرِ الخلوق والصفرة، إنما كان من أجل الإحرام، لا يجوز له أن يتطيَّبَ قبل الإِحرام. بما يبقى أثره بعد الإِحرام، وليس هذا من أجل ذلك، ولكن من التَضمُّخ بالزعفرانِ حرامٌ على الرجل، في حَرَمه وحلِّه. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>