للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوضوءَ والصلاتين أيضًا، ومرَّ عليه الشيخ ابن حجر المكي الشافعي في «شرح المشكاة» وحسَّنه. قلت: وفي إسناده راوٍ تُكِلِّمَ فيه.

وَجْهُ القِراءتين في آيةِ الوضوء

على نحو المذهب المختار بعد إمعانِ نظرٍ، وإِعمال فكرٍ، وحَذَاقةٍ في الفنون العربية.

قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ} استدل بها الشيعة على جواز المسح بالأرجل على قراءة الجر، وهم لا يجوزون المسحَ على الخفين مع كونه مواترًا وتصدى لجوابهم علماءُ الأمة منهم: ابن الحَاجب والتَّفْتَازاني في أواخر «التلويح» وابن الهُمَام وآخرون.

وما فتح الله عليَّ في بيان وجه قراءة النصب: هو أن قوله وأرجلكم بالنصف مفعول معه وليس عطفًا، وفرق بين واو العطف والتي للمفعول معه، فإِن العطف لبيان شَرِكة المعطوفِ والمعطوفِ عليه في أمر، نحو جاءني زيد وعمر، ومعناه: أنهما مشتركان في المجيء. وإن قلنا: وعمرًا بالنصب فمعناه بيان مصاحبتهِ مع زيد في الجملة. أمَّا إنها في الفعل خاصة أو في أمر آخر، فأمر مَوْكُولٌ إلى الخارج على حد قولهم: إذا خلى وطبعه ولا يدل على الشركة أصلًا، وإن لزمتْ في بعض المواد فمِنْ تلقاءِ المادةِ لا من تلقاءِ المدلول. ثم المصاحبة معناها المقارنة: وهي قد تكون في الزمان كقولهم: جاء البَردُ والجُبَّاتَ بالنصب ليس معناه أن الجباتَ اشتركت في المجيء مع البرد وأن الجائي هو البرد والجبات، بل معناه أن الجائي هو البرد، ثم له مصاحبة مع الجبات مصاحبة زمانية. وأما إنه في المجيء أو الخياطة مثلًا فهو أمرٌ خارج عن مدلول المفعول معه.

والمعنى: جاءَ البردُ وخِيْطت الجُبَّات في زمانه، فصاحَبَها زمانًا، ولو كانت في الخياطة فجاء هذا وخيط هذا. وهذا أيضًا نوعٌ من المُصَاحبة. وقد تكون المصاحبة في المكان كقولهم: سرت والطريق، ليس معناه أن الطريق أيضًا سار كما سار المتكلم، فلا دَلالة فيه على الشَرِكة في الفعل، فإِنه لم يُسند السيرُ إليه، بل معناه أن السائر هو المتكلم، لكن الطريق قارنَهُ وصاحبهُ وبقي معه في آخر سيره، فكان مُصاحبًا له مصاحبةً مكانية. وقد تكون بهما نحو قولهم: سرت والنيل، إذا اعتبرت جريَ الماء معك ساعة.

وهناك أمثلة أخرى. منها قولهم: لو تركت الناقة وفَصِيلتَها لرضعتها، ليس معناه أن التركَ واقعٌ على الناقة والفصيلة كلتيهما، ليكون من باب العطف ولاشركة، بل معناه: لو تركت الناقة فقط وبقيت معها معاملة للفصيلة لرضعتها، كقوله تعالى: {ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١)} [المدثر: ١١] لا يريد الشركةَ في الفعل، بل معناه ذرني فقط ثم انظر ماذا أفعلُ بهم. ونحو قول الشاعر:

*وكنتُ ويحيى كَيَدي واحدٍ ... نرمي جميعًا ونُرامي معًا

لا يريد الشاعرُ الشركةَ في الكون فإِنه ليس بشيء، بل معناه كنت ويحيى مصاحبًا معي، فالمراد هذا المجموع ثم كونهما كيدي واحد. وكقول الآخر:

*فكونوا أنتمُ وبني أبيكم ... مكان الكُليتين من الطِّحال

<<  <  ج: ص:  >  >>