للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إن الإيتارَ كان بيانًا للجواز، فدلَّ كلامُهُ على جواز الإيتار عندنا، ولم أجد التصريحَ به في كلام أحدٍ من الحنفية غير ما صرَّح به الشيخ المذكور في ذيل كلامه. وهذا أيضًا ليس في صورة المسألة، بل في سِيَاق الجواب، والبخاري اختار أذانَ الحنفية وإقامة الشافعية رحمهم الله تعالى.

وحاصل الكلام: أن بلالا رضي الله عنه لم يَثْبُت عنه الترجيع في الأذان، وكذلك المَلَك النازل من السماء، نعم ثَبَتَ في أذان أبي مَحْذُورة، فلا بدَّ أن يُقَرَّ بالأمرين، أي الترجيع وعدمه، ويجري الكلامُ في الاختيار فقط. ومَنْ أراد منَّا نفي التَّرْجِيع رأسًا، فقد تَطَاوَل وخَرَجَ عن حِمَى الحق، فإنه ثابتٌ بطُرُقٍ لا مَرَدَّ لها. بقيت الإِقامةُ، فهي عند أبي مَحْذُورة والمَلَكِ النازل: مَثْنَى مَثْنَى، وعند بلال بالإِيتار، وثَبَتَ عنه مَثْنَى أيضًا. هذا حال الأحاديث ممَّا هو على رسم الحسن أو الصحيح، أمَّا الضِّعَاف، ففيها اختلافٌ. وبالجملة لم يَسْنَحْ لي ترجيح التثنية بَعْدُ مع ثبوت كلا الأمرين قَطْعَا.

٤ - باب فَضْلِ التَّأْذِينِ

٦٠٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا. لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِى كَمْ صَلَّى». أطرافه ١٢٢٢، ١٢٣١، ١٢٣٢، ٣٢٨٥ - تحفة ١٣٨١٨

٦٠٨ - (قوله:) (له ضُرَاط)، وفي بعض الألفاظ: «له حُصَاص»، وهو قبض الأذنين كما يَقْبِضُ الحمار. لا يُقَال: (١) ما بالُ الشيطان يَفِرُّ من الأذان ولا يَفِرُّ من الصلاة، حتى يَخْطُرَ بين


(١) وقد ذَكَرَ الحافظ في جواب نُكَات تفوق إحداها على الأخرى. منها: ما نَقَلَ عن ابن الجوزي: أن للإنسان هيبةً يشتدُّ انزعاج الشيطان بسببها، لأنه لا يكاد يَقَعُ في الأذان رياءٌ ولا غفلةٌ عند النطق به، بخلاف الصلاة، فإن النفسَ تَحْضُر فيها، فيفتح لها الشيطانُ أبوابَ الوسوسة. وقد ترجم عليه أبو عَوَانة: الدليل على أن المؤذِّن في أذانه وإقامته منفي عنه الوسوسة والرياء لتباعُدِ الشيطان عنه، وفيه نُكات أخرى فأخرى.
نعم ههنا فائدةٌ ذَكَرَهَا الحافظ رحمه الله تعالى عن ابن بَطَّال: قال ابن بطَّال: يُشْبِه أن يكون الزَّجْرُ عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذِّن المؤذنُ من هذا المعنى، لئلا يكون متشبِّهًا بالشيطان الذي يَفِرُّ عند الأذان.
ثم ذكر الحافظ رحمه الله تعالى ههنا تنبيهين، نذكر واحدًا منهما، قال: فَهِمَ بعضُ السلف من الأذان في هذا الحديث الإتيان بصورة الأذان، وإن لم توجد فيه شرائط الأذان: من وقوعه في الوقت، وغير ذلك. ففي "صحيح مسلم" عن رواية سُهَيْلٍ بن أبي صالح، عن أبيه أنه قال: "إذا سَمِعْتَ صوتًا، فناد بالصلاة". واستدلَّ بهذا الحديث ملخَّصًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>