للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكلام، وهو أنه لا فرقَ بين كلمات الأذان والإِقامة إلا بالشَّفْعِيَّة والوِتْرِيَّة غير: «قد قامت الصلاة»، فإنه ليس في الأذان. فالاستثناء مما يُفْهَمُ من الاتحاد بين كلماتهما، على أن المالكية حَكمُوا عليه بالإِدراج، والله تعالى أعلم بالصواب.

بقيت الإقامة، ففيها أيضًا خِلافٌ، فقال الإمامُ الأَعظمُ: إن كلماتها مثل الأذان، وقالت الثلاثةُ: بالإيتار فيها إلا بقوله: قد قَامَت الصلاةُ، وعند مالك رحمه الله تعالى: الإِقامة أيضًا مرةً. فينبغي عند مالك رحمه الله تعالى: عشر كلمات، وعند الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى: إحدى عشر كلمة، وعندنا: سبعة عشر كلمة. ولنا فيه ما رُوي عن أبي مَحْذُورَة، فإنه كان يُقِيْمُ مَثْنَى مَثْنَى. وكذلك كانت إقامة المَلَك عند أبي داود. وما في بعض طُرُقه من الإفراد، فيُحْمَل على أنه إحالةٌ على المعهود، ولا بُدَّ، لأنه واقعةٌ واحدةٌ.

وطريقُ الاختلاف مسلوكٌ كما عند مسلم عن عمر رضي الله عنه في جواب الأذان، وهو محمولٌ على الاختصار عندهم جميعًا، وهذه صورته: عن جدِّه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «إذا قال المؤذنُ: الله أكبر الله أكبر، قال أحدُكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهدُ أن لا إله إلا الله، قال: أشهدُ أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهدُ أن محمدًا رسول الله، قال: أشهدُ أن محمدًا رسول الله»، وهكذا إلى آخر الأذان بإفراد الكلمات. على أنه أخرج الطَّحَاوِيُّ عن بلال التَّثْنِيَة في الإِقامة أيضًا، وأقرَّ به الشيخُ تقي الدين ابن دقيق العيد، ورَاجِعْ له «تخريج الهداية» للزَّيْلَعِي رحمه الله تعالى. قال الشيخ ابن الهُمَام رحمه الله تعالى: ادَّعى الطَّحَاويُّ التواترَ في تَثْنِيَة الإِقامة عن بلال رضي الله عنه.

قلت: ولم أجده في «معاني الآثار»، نعم يُسْتَفَاد منه التواتر على ترك التَّرْجِيع، فيُمْكِن أن يكون قد اختلط عليه، فكان التواترُ بترك التَّرْجِيع، فَنَقَلَهُ في تَثْنِيَة الإِقامة، إلا أن يكون في تصنيفٍ آخر له غير «معاني الآثار»، فإن الطحاويَّ كثيرُ التصانيف، وأكبرُ ظني أنه في ترك التَّرْجِيع، والله تعالى أعلم.

وقال الشيخ نور الدين الطرابلسي (١) - وهو متأخِّرٌ عن الشيخ ابن الهُمام رحمه الله تعالى:


(١) وَصَنَّفَ الطرَّابُلْسِي متنًا في الفِقْه أولًا، ذكر فيه فِقْهَ المذاهب الأربعة، غير أنه أَشَار إليهم بطريق الرمز، كصاحب "الكنز". وإن كان بين رمزيهما فرقٌ. ثم شَرَحَه ولَخَّص فيه أحاديث من كتاب الشيخ ابن الهُمَام رحمه الله تعالى، وسمَّاه: "البرهان شرح مواهب الرحمن". ولا جَرَمَ أن الكتابَ مفيدٌ، ذَكَرَ فيه من الجزئيات والدلائل قدرًا كافيًا.
ويوجد في الهند مخطوطًا. وكذا الطَّيبي أيضًا يوجد، وهو أحسن الشروح باعتبار النكات العربية، وإن لم يكن "مصنفه" حافظًا. أما فضل الله التوربِشْتِي شارح "المصابيح" فمن كبار الحفَّاظ، وهو حنفي لا كما زُعِمَ.
وبالجملة: الإيتارُ جائزٌ عندنا، ومختارٌ عندهم. بقي التَرْجِيع، فهو عندنا ليس بمستحبٌ ولا مكروهٍ، وما ذُكِرَ في مُلتقى الأبحر" من الكراهة، فلا يُعْتَمَدُ عليه، والصواب كما في "البحر الرائق". وهكذا الخلاف في جهر آمين، ورفع اليدين، فإنه ليس في الجواز فإنه متفقٌ عليه كما صرَّح به السيد الجُرْجَاني الحنفي في "حاشية الكشاف"، والشيخ محمد البِرْكِلي في "تفسير سورة الفاتحة"، ونور الدين في "البرهان"، وإن قال غيرهم بكراهة الجهر. ومثله أقول في رفع اليدين، ففي "البدائع": إنه مكروهٌ، والصواب عندي كما في "أحكام القرآن": أن الخلافَ فيه أيضًا يَرْجِعُ إلى الاختيار لا إلى الجواز، كذا في تقرير الفاضل عبد العزيز من كلام الشيخ رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>