ومسافةُ القَصْر في المذهب مسيرةُ ثلاثةِ أيام ولياليها. ثُمَّ حَوَّلُوها إلى التقدير بالمنازل، فاختلفوا فيه على أقوال: منها ستةَ عشرَ فَرْسخًا. كل فَرْسخ ثلاثةُ أميال، فتلك ثمانيةٌ وأربعونَ مِيْلا، كمافي الحديث. وبه أُفتي لكونه مذهبَ الآخَرِين. وهي عند الظاهري على اللغةِ، فكلُّ ما يطلقُ عليه السَّفَر لغةً تكون مسافةُ القَصْرِ عنده.
قوله:(وسَمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلّم يومًا وليلةً سفرًا) يعني جَعَله من جزئيات السَّفَر لا أنه قصره عليه. ولعل المصنف رحمه الله تعالى أرادَ الإِطلاق في السَّفَر كمذهب داود الظاهري.
قال الحافظ رحمه الله تعالى: وفيه ما يدلُّ على اختياره أن أقلَّ مسافةِ القَصْر يومٌ وليلةٌ ولما لم يكن عند المصنف رحمه الله تعالى في القَصْر والإِتمام حديث، أخرج له حديثَ الحجِّ والسفر للحاجات العامة، كقوله:«لا تُسَافِر المرأةُ ثلاثًا»، فإنه لم يقع في مسألةِ الإِتمام والقَصْر، بل وَرَدَ في سَفَر الحاجات، واختلفت فيه الروايات. وفي بعضها: مَسيرةُ يومٍ ولَيْلَة، وهو عندي مُخْتَلِفٌ باختلاف الأحوال، والأحاديث في هذا الباب صُدِّرَت عن حضرةِ الرسالة تارةً كذا، وتارةً كذا، وليست محمولةً على اختلافِ الرواة. وفي كُتب الحنفية عَامَّةً عَدَمُ جوازِ السَّفَر إلا مع مَحْرَم.
قلتُ: ويجوزُ عندي مع غير مَحْرم أيضًا بِشَرْط الاعتماد والأَمْن من الفتنة. وقد وَجَدْتُ له مادةً كثيرةً في الأحاديث (١) أما في الفِقْه فهو من مسائل الفِتن.
(١) يقول العبد الضعيف: منها أَمْرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أبَا العاص أنْ يُرْسِل زينب رضي الله عنها مع رَجُلٍ لم يكن لها مَحْرمًا، ومجيء عائشةَ رضي الله عنها في قِصَّة الإفْك.