وحاصله: إني أرضى أن تكون من أصحاب النار بإثمك، وينمحي إثمي من سيفك، لأن السيف محاء. فكأنه إذًا انمحى عنه إثمه من سيفه، ومن فعله، فكأنه باء به ورجع بإثمه، وذهب به معه. لا بمعنى أنه طُرِحَ عليه ليخالف قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام: ١٦٤] فالقاتلُ حملَ وزرَ نفسِه، ولكنه محى عن المقتول ذنوبَه أيضًا، فكأنه ذهب بذنوبه معه، وإن لم يحملها على نفسه.
والحاصل: أن قوله تعالى: {أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ} إنما هو بطريق محو الإثم عن المقتول، لا بحملِهِ على نفسه. وإنما ذكر هكذا في التعبير تهويلًا، والمراد ما قلنا، والقرينة عليه ما بينا أعني حديث المحو. وقد مر بعض الكلام في حديث هِرَقْل تحت قوله:«وعليك إثم اليريسين»، وقد شرحت هناك أن المراد منه: إثم إهلاك اليريسين عليك، أما إثم كفرِهم فعليهم.
والكلام فيه كالكلام في الترجمة السابقة، أي كفرٌ دون كفر. فقال الشارحون: معناه إن في الظلم أيضًا مراتب كالكفر، فدون عندهم بمعنى أقرب. وأقول: معناه إن ظلمًا مغايرٌ لظلم، فدون عندي بمعنى «غير». وهذا حديث مرفوع في الخارج. ومن عادة المصنف رحمه الله تعالى أنَّ الحديثَ إذا لم يكنْ على شرطه ويكون مثبتًا لمقصودِهِ يضعه في الترجمة.
قوله:(فأنزل الله: {إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: ١٣]) ظاهر هذه الرواية أن نزولها على السؤال المذكور ههنا. وفي رواية أخرى في جواب قولهم:«أيّنا لم يَظْلِم» ألا تسمعون إلى قول لقمان: {إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. وظاهره أن تلك الآية قد كانت نزلت من قبل، وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يعلمونها. قال الحافظ رحمه الله تعالى في جوابه: إن الآية نزلت في هذه القصة ثم استشهدَ بها النبي صلى الله عليه وسلّم أيضًا وبه تلتئم الروايتان. ثم إنهم اختلفوا في محصَّل السؤال والجواب: فقال الخطَّابي رحمه الله تعالى: كان الشركُ عند الصحابة أكبرَ من أن يلقَّبَ بالظلم، فحملوا الظلمَ على ما عداه من المعاصي. ولذا قالوا: أَيُّنا لم يَظْلم، وبيَّن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه عامٌّ للكفر وغيره من المعاصي، وإن كان المرادُ منه ههنا كُفْرَ الخلود فقط.
وقال الحافظ رحمه الله تعالى: بل إنهم حملوا الظلم على الأعم من الشرك، فما دونه، وخصصه النبي صلى الله عليه وسلّم بالشرك. فحاصلُ جواب النبي صلى الله عليه وسلّم على شرح الخطَّابي تعميمُ الظلم على كُفْر