ثُمَّ البخاريّ رحمه الله تعالى خَرَّجَ لِمُدَّعَاه حديثَ تحيةِ المسجدِ. وقد عَلِمت أنها خارِجةٌ عن مَوْضع النِّزاع. وكذا الركعتانِ قبل الظهر أو بعدها فكلُّها مما لا يصلُح حجةً على الحنفية. نعم أخرج البخاري في ذلك حديثًا قَوْليًا أيضًا من أبواب الجمعة، وفيه:«إذا جاءَ أَحَدُكم والإِمامُ يَخْطُب، أو قد خرج، فليصلِّ رَكْعَتين». وقد أشبعنا الكلام فيه مِن قَبْل، مع التنبيه على أنَّ الدارقطني لم يتكلم في مَوْضِعٍ من متون البخاري إلا في هذا المَوْضِع، وقال: إنَّه كانَ في الأَصل قِصَّةُ سُلَيك، فأخذ منها الراوي المسألةَ ورواها بالمعنى، وجعلَها حديثًا قوليًا.
قلت: ولم يَتَنبَّه الدارقطني إلى أنَّ الإِمامَ الهُمام البخاري أيضًا مُطَّلِعٌ على هذه العلة، ولذا لم يُخرِّجْه في أبواب الجمعة مع اختيارِه مسألة الحديث، وأتى به غير بابه، وتمسك به على مسألة أخرى. وما ذلك إلا أنه تَفَطَّن لِعِلَّته. وهو صنيعُه في غير واحدٍ من المواضع فإِنَّه بَوَّبَ فيما مرَّ، وأخرج له حديثَ الركعتين بعد الوِتْر جالسًا، ولم يُترجم عليه بالمسألة الصريحة، وهي الركعتان بعد الوِتر جالِسًا. وذلك لأَنِّي قد جَرَّبت مِن عادات البخاري أنَّه إذ يَظهَرُ له التردُّدُ في لفظٍ من ألفاظ الحديث لا يترجم عليه خاصَّةً ويترجم على سائرِ ألفاظهِ. وكأنَّه بهذا الطريق يشيرُ إلى تردُّدِه في ذلك اللفظ. هذا وإنْ لم يتنبَّه له أَحَدٌ، لكنه هو التحقيقُ إن شاء اللَّهُ تعالى فاحْفَظْه.
٢٦ - باب الْحَدِيثِ، يَعْنِى بَعْدَ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ
١١٦٨ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِى وَإِلَاّ اضْطَجَعَ. قُلْتُ لِسُفْيَانَ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَرْوِيهِ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ. قَالَ سُفْيَانُ هُوَ ذَاكَ. أطرافه ١١١٨، ١١١٩، ١١٤٨، ١١٦١، ٤٨٣٧ - تحفة ١٧٧١١
١١٦٨ - قوله:(فإِنْ كُنْتُ مستيقِظَةً حَدَّثَني) إلخ. وقد مَرَّ معنا أنه ثَبت الكلامُ بعدها ولا وَجْه لِعَدَم الجوازِ مع أنَّ المطلوبَ التحرُّزُ عنه. ولنا آثارٌ في «المصنَّف» لابن أبي شيبةَ رحمه الله تعالى.
قوله:(فإِنَّ بَعْضَهُم يَرْوِيه: رَكْعَتَي الفَجْر؟) وحاصله أنه سُئِل عن لَفْظ عائشةَ رضي اللَّه تعالى عنها أَنَّه بدون الإضافة أو مع الإِضافة؟ فأَجاب سفيانُ أَنه بالإضافة، ويُستفاد من بعض الألفاظ أَنَّ فيه اضطرابًا آخَر: وهو أن المتبادَر من ركعتي الفجر فَرْضُهَا، وقد، أردتُ مِنْ سُنَّتها فاستعصوا به التلامذةُ شُيوخِهم.
٢٧ - باب تَعَاهُدِ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ وَمَنْ سَمَّاهُمَا تَطَوُّعًا