المالَ إن كان من جنس النقدين طاب للمتصرِّف، وإن كان من القروض فهو أيضًا يَمْلِكُهُ، لكن بِمِلْكٍ خبيثٍ، إلا أن خُبْثَه لحقِّ الغير، فلا يَظْهَرُ في حقِّه.
ونُقِلَ عن أبي يوسف: أن الربحَ يكون للمتصرِّف في الفصلين بلا خُبْثٍ. وحُكِيَ عنه أنه كان يتَّجِرُ في أموال اليتامى في زمن قضائه، فَيَرْبَحُ فيه، فيجعل الأصلَ محفوظًا على حاله، ويأخذ الربحَ لنفسه. واعْتَرَضَ عليه بعضُ من لا فِقْهَ له في الدين، ورَمَاه بأنه كان يَأْكُلُ أموال اليتامى، وحَاشَاهُ أنه يَهِمَّ به. ولكنه عَمِلَ بما عمل به أبو موسى من قبله.
ففي «الموطأ» لمالك في باب ما جاء في القراض: مالك، عن زَيْد بن أسلم، عن أبيه أنه قال:«خرج عبد الله، وعُبَيْد الله ابنا عمر ابن الخطاب في جيشٍ إلى العراق، فلمَّا قَفَلا مَرَّا على أبي موسى الأشعريَّ - وهو أميرُ البَصْرَة - فَرَحَّبَ بهما، وسَهَّلَ، ثم قال: لو أَقْدِرُ لكما على أمر أَنْفَعُكُمَا به لَفَعَلْتُ، ثم قال: بلى، ههنا مالٌ من مال الله أُرِيدُ أن أَبْعَثَ به إلى أمير المؤمنين فَأُسْلِفُكُمَاة، فتبتاعان به متاعًا من متاع العِرَاق، ثم تَبِيعَانِهِ بالمدينة. فَتُؤَدِّيَانِ رأسَ المال إلى أمير المؤمنين، فيكون لكما الربحُ. فقال: وَدِدْنَا، ففعل وكتب إلى عمر بن الخطَّاب أن يأْخُذَ منهما المال. فلمَّا قَدِمَا باعا، فَربِحَا. فلما رَفَعَا ذلك إلى عمر ابن الخطَّاب، فقال: أَكُلُّ الجيش أَسْلَفَهُ مثل ما أَسْلَفَكُمَا؟ قالا: لا. فقال عمر بن الخطَّاب، ابنا أمير المؤمنين فأَسْلَفَكُمَا، أدِّيَا المالَ ورِبْحَه. فأمَّا عبد الله فَسَكَتَ، ورَاجَعَهُ عُبَيْد الله. فقال رجلٌ من جُلَسَاء عمر: ياأمير المؤمنين، لو جَعَلْتَهُ قِرَاضًا. فقال عمر: جَعَلْتُهُ قِرَاضًا - أي مُضَارَبةً - فأخذ عمر رأس المال ونِصْفَ رِبْحِهِ، وأخذ عبد الله، وعُبَيْد الله نِصْفَ رِبْحِ المال».
ففيه دليلٌ على جواز الاكتساب من مال الله عند أبي موسى، وتقريرٌ من عمر، فإنه لم يَقْدَحْ في إسلافه، ولكنه خَشِيَ أن يكونَ ذلك رُشْوَةً، لأنهما كانا ابناه، فقال ما قال.
ونقل في «الدر المختار»: أن أبا يوسف كان يبكي حين احْتَضَرَ، وكان يذكر أن ذِميًّا ادَّعَى على الرشيد أمير المؤمنين، فَرَاعَيْتُ الذِمِّيُّ، وكان يقول: إنه لم يُخْطِىء في غير ذلك فيما يظنُّ.
قلتُ: ولو كانت الدنيا دَعَتْهُ إلى هذه الرعاية، لرجَّح أميرَ المؤمنين، ولكنه رجَّح الذميَّ عليه. فَظَهَرَ أنها كانت لأمرٍ غير ذلك، فما ظنُّك برجلٍ هذا شأنه؟ ولكن من لا دينَ له يُرِيدُ أن يَصْرِفَ وجوه الناس إليه بكل حِيلةٍ.
٩٩ - باب الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ
٢٢١٦ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةً». قَالَ لَا بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً. طرفاه ٢٦١٨، ٥٣٨٢ - تحفة ٩٦٨٩