للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحاديث التأخِير، ثُمَّ أَرَاد كلٌّ منهم أَنْ يجعلَه منصوصًا، فآل أمرُهم إلى ما رأيت مِنَ النِّضَال فصارت الحربُ سجالًا (١).

وهكذا أقولُ بالاشتراك بين المَغْرِبِ والعشاء، ففي المغرِبِ أيضًا روايتان عن الإِمام. الأولى: أنَّها إلى الشفقِ الأبيضِ، قالوا: إنَّه ظاهر الرواية. والثانية: أنَّها إلى الأحمر.

قلتُ: الأحمر، وقتٌ مختصٌ بالمغرب، وما بعدَ الأبيضِ وقتٌ مختصٌ بالعشاء، والأبيضُ يصلحُ لهما، والمطلوبُ هو الفاصلة، وترتفعُ تلك المطلوبية في السفرِ والمرض، فيجوزُ الجمعُ فيه كالجمع بين الظُّهرين في المِثل الثاني، وأظنُّ أَنَّ البخاري لم يَذْهَب إلى الجمعِ الوقتي كما اختاره الشافعية، وإليه تومىء الأحاديث لتعرضها إلى التأخيرِ والتعجيل، وهما أَصْدَق وأفيد على نظرِ الحنفيةِ، وإنْ صَدَقا على نظرهم أيضًا، لكِن ليس فيه لطف، لأنَّه إذا كان الجمعُ باعتبار الوقتِ فأي بحثٍ من التأخير والتعجيل، وأي حاجة إلى ذكرِهما؟ ويكفي له ذِكر الجمع فقط

أمَّا على طورنا، ففيه بيان معنى الجمع، لأنَّه لا جمع وقتًا وإنَّما هو جمع بحسب تأخير هذه وتقديم تلك، فذِكر التعجيل والتأخير مما لا بُدَّ منه، وسيجيء تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى.

٢ - باب {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم: ٣١]

٥٢٣ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ - هُوَ ابْنُ عَبَّادٍ - عَنْ أَبِى جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا إِنَّا مِنْ هَذَا الْحَىِّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَاّ فِى الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَىْءٍ نَأْخُذْهُ عَنْكَ، وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا. فَقَالَ «آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الإِيمَانِ بِاللَّهِ - ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَىَّ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُقَيَّرِ وَالنَّقِيرِ». أطرافه ٥٣، ٨٧، ١٣٩٨، ٣٠٩٥، ٣٥١٠، ٤٣٦٨، ٤٣٦٩، ٦١٧٦، ٧٢٦٦، ٧٥٥٦ تحفة ٦٥٢٤


(١) قلتُ: وذَهب طائفةٌ مِنْ علماء الحنفيةِ إلى أَنَّ حديث جبريل منسوخ فقال قائل منهم. إِنَّه منسوخٌ في حق الظُّهْر، وتَشجَّع آخر وقال: إنَّه منسوخٌ في جميع الأوقات. ولعَمْري إنه شيءٌ عُجاب، أيقولون بالنَّسخ لأجلِ رواية عَنِ الإِمام الهُمام جاءت على خلاف الجمهور؟ ومع ذلك نُقِل رجوعُ الإِمام عنها أيضًا، فهل يُناسب القول بالنَّسخ لأجل رواية مثلها؟ وفَكِّر في نفسِك أَنْ لو كان النَّسخُ تحقَّقَ في مسألةِ المواقيت، فهل يُناسب أَنْ يَخْفَى على جميع الأئمةِ والأمة، حتى لم يدْرِه غير إمامنا؟ ثم هو أيضًا في رواية، كيف والنَّبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَّم كلَّ مَنْ سَأَله عن الأوقاتِ بعدَه بعين ما كان تَعلَّمه من جبريل حتى أنَّه لم يغير شاكلةَ التعليم أيضًا، وذلك في المدينة كما في قِصة الأعرابي، صرَّح به البيهقي في بعض عباراتهِ، وهو المتبادَر مِنْ لفظِ الحديث، كما نبَّه عليه الشيخُ رحمه الله تعالى، فلو كان النَّسخُ وَرَدَ في مِثل هذه المسألةِ الفاشيةِ، ثُمَّ لو تَحَقَّقَ ذلك عن الإِمام لَمَا رُوَيت عنه رواية أُخْرَى غير تلك الرِّواية، لأنَّ النَّسخَ لا يثبت إلا بَعدَ وضوحٍ تام، ولا يجوز القَول بالنَّسخ بمجرد الاحتمالِ، وهذا الذي اختاره مولانا وشيخ مشايخنا القطب الجنجوهي رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>