للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَخْبَرَنِى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ «إِنِّى خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمُ الْتَمِسُوهَا فِى السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ». طرفاه ٢٠٢٣، ٦٠٤٩ - تحفة ٥٠٧١

٤٩ - (فتلاحى رجلان) أي تنازع. قال الحافظ: إن المخاصمةَ مستلزمةٌ لرفع الصوت، وهو محبطٌ للعمل بالنص، قال تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} إلى أن قال: {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} وبه يتضح مناسبة الحديث للترجمة. وقد خفيت على كثير من الشارحين.

(فَرُفعت) وفي رواية قويةٍ ما يَدلُ بظاهره على رفعِ أصلها عن هذه الأمة. أقول: بل المرادُ منها رفعُ العلم القطعي بها، لا رفعُ ليلة القدر كما فهمه الشيعة خذلهم الله، لأنا قد أُمِرْنا بالتماسها، ولو كانت رفعت مطلقًا لما كان لطلبها معنًى. ومن هنا ظهرت المناسبةُ للترجمة على وجه آخر أيضًا وهو: أن التنازع صار سببًا لرفع علم ليلة القدر، فكذلك المعصية قد تكون سببًا للحبط.

قوله: (في السبع) ... إلخ، واعلم أن الشارحين عامّة ذهبوا إلى أن المأمورَ به هو التماسُها في ليلة واحدةٍ من تلك الليالي. والمرادُ عندي أحياءُ كلها لأجل ليلة القدر. وهي وإن كانت في الأوتار دون الأشفاع، لكن القيامَ مطلوبٌ في الكل، فكأنَّ التماسَها يكونُ بالقيام في العشر، أو السبع، أو الخمس، وهو المعهود من حاله صلى الله عليه وسلّم وحالِ الصحابة رضي الله عنهم. ثم أقول: إن قَسَمتَ الشهرَ على العشرات فليلة القدر في الأخيرة منها، وإن قسمتَها على الأسابيع فهي في الأسبوع الأخير، وإن قسمتَها على الأخماس فهي في الخمس الأخير، وكيف ما كان تكونُ في وترٍ منها. هذا، وإن لم يُقرعْ سمعُك به من قبل، لكنه هو التحقيق إن شاء الله تعالى.

٣٨ - باب سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ وَالإِحْسَانِ وَعِلْمِ السَّاعَةِ وَبَيَانِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُ

ثُمَّ قَالَ «جَاءَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ». فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا، وَمَا بَيَّنَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الإِيمَانِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥].

والغرضُ منه احتراسٌ مما يشنأُ من قوله: إن الإسلام والإيمان واحد، مع أن هذا الحديثَ يدل على المغايرة. وحاصلُ جوابِهِ على ما قرر الحافظ رحمه الله تعالى: أن الإيمان والإسلام لكل منهما حقيقةٌ شرعية، كما أن لكلٍ منهما حقيقةً لغوية، وكل منهما مستلزمٌ للآخر بمعنى التكميل له. فكما أن العامَل لا يكون مسلمًا كاملًا إلا إذا اعتقد، فكذلك المعتقدُ لا يكون مؤمنًا كاملًا إلا إذَا عمل. وحيثُ يُطلق الإيمانُ في موضع الإسلام أو العكس، أو يطلقُ أحدهما على

<<  <  ج: ص:  >  >>