كُلِيَّةً، وفي «البحر»: أنَّه لو نام في قعدة التراويح لم تَفْسُد صلاته وإن غرقا ... إلخ. قلتُ: وكأنَّ الحديث مأَخوذٌ من قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ}[النساء: ٤٣] إلخ. ومن ههنا ذهب الفقهاء إلى أنَّ الأغماء والجُنُون ناقِضَان، فإِنَّهم رأوا أَنَّ القرآنَ جَعَل العلم بما يقولون غايةً للصَّلاة، فإِذا كان بحيث لم يَكُن له أن يَعْلَم ما يقول، فإِنه لا يَقْرَب الصَّلاة، فجعلوا الإِغْمَاء والجُنُون ناقضتين، لأنَّه لا يَدْرِي فيهما ما يقول.
ومِنْ هذه الآية أُخِذَ أدنى مقدار الخُشُوع: وهو أنَّ يَعْلَم الرجل أنَّه ماذا يقرأ هو أو إمامه، فاعلمه فإِنَّه مهمٌ ثم الخُشُوع مُسْتَحبٌّ كما في «الاختيار شرح المختار»، ولم أجده في عامة كُتُبنا، وهو بالنظر إلى مَوْضع سُجُوده في حال القيام، إلى آخر ما قالوا، ولم أَزَل أَتَتَبَّعُ لهذا التفصيل مَأْخَذًا من كتب أصحابنا، فرأيته في متن «المبسوط» للجُوْزَجَانِي، وهو تلميذُ محمد بن الحسن رحمه الله تعالى. وعن أحمد رحمه الله تعالى في كتاب «الصَّلاة»: أنَّ المصلِّي في حال القيام يَحْني رأسه شيئًا، إلاّ أني أتردَّد في كون الكتاب المذكور من تصنيف أحمد، وفي «الفتح»: أنَّه تصنيفه.
٢١٢ - قوله:(لعلّه يَسْتَغِفر) ... إلخ، أيءَريد أن يَسْتَغْفِر، فَيْهجُر ويَسُبّ نفسه مكان استغفاره لها، وقيل: معناه أن يَمَلَّ عن الصلاة، فيَسُبّ نفسه لِمَ فُرِضَتْ عليه.
٢١٥ - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِى بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ أَخْبَرَنِى سُوَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ، صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعَصْرَ، فَلَمَّا صَلَّى دَعَا بِالأَطْعِمَةِ، فَلَمْ يُؤْتَ إِلَاّ بِالسَّوِيقِ، فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا، ثُمَّ قَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَلَّى لَنَا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. أطرافه ٢٠٩، ٢٩٨١، ٤١٧٥، ٤١٩٥، ٥٣٨٤، ٥٣٩٠، ٥٤٥٤، ٥٤٥٥ تحفة ٤٨١٣
أراد أن يُشِير إلى الوُضُوء المُسْتَحَبّ، فأَخْرَجَ تحته الوُضُوء وتركه، وهو مُسْتَحَبٌّ في نحو عشرين مَوْضِعًا كما في «الدُّر المختار»، وقد مرَّ مني أَنَّ الوضوءَ عند كل صلاة مطلوبٌ عند الشرع، وهو الظاهر من قوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ}[المائدة: ٦]، ولذا لا أُقَدِّر فيه: وأنتم مُحْدِثون، كم قَدَّره المفسِّرون، كيف وقد ثَبَتَ عند أبي داود بإِسنادٍ قوي:«أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان مأمورًا بالوضوء طاهرًا أو غير طاهر، فلمَّا شَقَّ عليه، أُمِرَ بالسِّواك عند كل صلاة». وعُلِمَ منه أيضًا أنَّ السِّوَاك بدل الوُضُوء، وكان الأصل هو الوُضُوء، إلاْ أنه لما شَقَّ عليه أُقِيَم أُنْمُوذَج الشيء مَقَام الشيء، وقد مرَّ مني عن «فتح القدير»: أنَّ السِّواك مُسْتَحَبٌ عند الصَّلاة عندنا أيضًا،