فذهب الجمهور إلى أنَّ ما أسكر كثيره، فقليله حرام. وفصل فيه أبو حنيفة: والوجه فيه أن للخمر إطلاقان: عام، وخاص: فالأول: يقال لكل مسكر، والثاني: لعصير العنب خاصة، إذا غلى واشتد، كالورد، فإنَّه يُطلق على كل زَهْر، ذي رائحة، ويطلق على الخاص أيضًا نازبو فالخمر عند أبي حنيفة هو الخاص فقط.
ويُعلم من «الأم» للشافعي أنَّ من قصر الحرمة على الأشربة الأربعة. يقول: إن القليلَ من غيرها ليس بمسكر، وحينئذ يمكن للحنفية أن يدَّعوا أنه غيرُ داخلٍ في موضوع القضية:«كل مسكر حرام»، فإنَّ المرادَ من المسكرِ هو الذي أسكرَ بالفعل. واستحسنه ابن رُشد، في قوله: كل شراب أسكر، وزعم أنه فيما أسكر بالفعل.
قلتُ: وإنما استحسنه ابن رُشد، مع كونه فقيهًا عظيمًا، لأن عَرَبيَّتَه ناقصة. ومرادُ الحديث أنَّ كل شرابٍ من شأنه السُّكر فهو حرامٌ، سواء أسكر بالفعل أم لا. وقد تبين لي بعد مرور الدهر أنَّ مراد الحديث، كما ذهب إليه الجمهور، وإذن لا أصرف الأحاديث عن ظاهرها.
ثم اعلم أن تحرير مذهب الحنفية ليس كما قالوه: إن غير الأشربة الأربعة حلال، بقدر التقوِّي على العبادة، بل الأحسن عندي كما أقول: إن غيرها حرام عندنا أيضًا، إلا بقدر التقوِّي على العبادة، دون التلهي، هذا في القليل، أما إذا أسكرَ فهو حرام بالإِجماع. والفرق بين التعبيرين أجلى من أنْ يُذكر، فإنَّ الأصلَ في التعبير الأول هو الحلة، فتقومُ الأحاديث على مناقضة المذهب. أما على التعبير الثاني، فالأصل الحرمة، كما في الأحاديث، ويبقى القدرُ القليل تحت الاستثناء.
٥٥٧٥ - قوله:(حرمها في الآخرة) ذهب جماعةٌ إلى أن شاربَ الخمر لا يشربُها في الجنة أيضًا، وإن دخلها بعد المغفرة. والجنة وإن كان فيها كل ما تشتهيه الأنفس، إلا أنه لا يشتهيها.
٥٥٧٧ - قوله:(حتى يكون خمسين امرأة قيمهن رجل واحد) وقد مر معنا أنَّ في بعض الروايات قيد «الصالح»، فلا إشكال. ثم إنه يمكن أن يكونَ المراد من القيِّم غير الزوجِ، ممن يقوم على أمور الناس، ويسعى لهم.
٥٥٧٨ - قوله:(ولا ينتهب نهبة ذات شرف)، أي المال النفيس، يرفعُ الناس إليه أبصارهم فيها حين ينتهبها "اورلوك ديكهتى ره جائين".