وقد تكلم على هذا الحديث بعض من لا خلاق له، وقال: كيف يكون هذا! وكيف يجتمع الداء، والشفاء في جناحي الذبابة! وكيف تعلم ذلك من نفسها، حتى تقدمَ جناح الداء، وتؤخر جناح الشفاء، وما أربها إلى ذلك؟ قلتُ: وهذا سؤال جاهل، أو متجاهل، وأن الذي يجدُ نفسه ونفوس عامة الحيوان، قد جمع فيها بين الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، وهي أشياء متضادة، إذا تلاقت تفاسدت، ثم يرى أن الله سبحانه قد ألف بينها، وقهرها على الاجتماع، وجعل منها قوى الحيوان التي بها بقاؤُها، وصلاحُها، لجدير أن لا ينكرَ اجتماع الداء والشفاء في جزأين من حيوان واحدٍ، وأن الذي ألهم النحلة أن تتخذ البيت العجيب الصنعة، وأن تعسل فيه، وألهم الذرة أن تكتسب قوتها، وتدخره لأوان حاجتها إليه، هو الذي خلق الذبابة، وجعل لها الهداية إلى أن تقدم جَناحًا، وتؤخر جناحًا، لما أراد من الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد، والامتحان الذي هو مِضمَارُ التكليف، وفي كل شيء عبرة وحكمة، وما يذكر إلا أولو الألباب اهـ "معالم السنن".