للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكبائر. وما قيل: إنَّ وسائلَ الكبائر صغائرُ، فليس على إطلاقه، ولا بُدَّ فيه من تفصيلٍ. أمَّا نظرُ فضل بن عبَّاسٍ إلى امرأةٍ من خَثْعَم، فلم يكن من هذا الباب، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم صَرَفَ وَجْهَه خَشْيَةَ أن يَدْخُلَ الشيطانُ بينهما. فدلَّ على أنَّه لم يكن بلغ نظرُه هذا المَبْلَغ بعدُ، ولكنَّه صَرَفَ وجهَه قبل أن يَبْلُغَ مَبْلَغَهُ.

٦٢٤٣ - قوله: (مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ باللَّمَمِ) يريدُ ابنُ عبَّاسٍ أن يستفيدَ من حديث أبي هريرة هذا تفسِيرَ قوله تعالى: {إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: ٣٢]، فجعل دواعي الزِّنَّا، وما يقعُ من الرجل في سلسلة الزِّنَّا من المعاصي كلَّها صغائرَ ولممًا، فإن غشي الزنا تُحْسَبُ كلُّها من الزنا، وتنقلب كبائرَ، وإلَّا فهي صغائرُ تَصْلُحُ أن تُغْفَرَ له، ويُعْفَى عنها. فاستفاد منه بعضُهم تعريفَ الصغيرة، وقال: إنَّ المعاصي على نحوين: منها ما تقعُ تمهيدًا، ومنها ما تكون مَقْصَدًا. فالتي تقعُ في السلسلة، وتكون وسيلةً لتحصيل منتهاها، هي الصغائرُ، وذلك المنتهى هو الكبيرةُ.

قلتُ: ولا بُدَّ فيه من تنبيهٍ، وهو أن السمعَ، والبصرَ، والنظرَ قد تَصِيرُ مقصورةً أيضًا، وذلك حين يَعْجَزُ عن المنتهى - أعني الزنا - فيرضى بتلك الأمور، ويجعلها مقصورةً لحظِّ نفسه، وحينئذٍ لا ريب في كونها كبيرةً. نعم إن أتى بها في سلسلة الزنا، ثم امتنع عنه مخافةَ ربِّه جلَّ وعلا، فَيَنْزِلُ امتناعُه عن الزنا منزلةَ التوبة، ويُرْجَى له أن تُغْفَرَ له تلك السلسلة بأسرها، إذا أَتْبَعَهَا بحسنةٍ، فإنَّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السيئاتِ.

أمَّا الحديثُ، فهو في الدواعي التي تكونُ مبادئًا للزنا، وقد سَمِعْتُ أنَّها إذا كانت في سلسلةٍ غيرِ مقصودةٍ بأنفسها، فهي صغائرُ، ولممٌ، فإن غشي الزنا - والعياذ بالله - أخذ بالأوَّل والآخر، ويُحْسَبُ الكلُّ من الزنا، وتكون كبائرَ. فإن جَعَلَها مقصودةً، كما إذا عَشِقَ امرأةً، فَجَعَلَ يلتذُّ بالنظر والسمع، صارت كبائرَ في حقِّه، لكونها حينئذٍ مقصودةً.

ومن ههنا عُلِمَ أن معصيةً واحدةً تختلف صغيرةً وكبيرةً، لحال الفاعلين.

قوله: (قال أبو عبد الله: أَرَادَ عمرُ التثبُّتَ، لا أن لا يُجِيزَ خبرَ الواحدِ)، وذلك لأنَّ عمرَ رواه بنفسه أيضًا، كما عند الترمذيِّ، فكيف جاز له أن يتردَّدَ فيه؟ غير أنه لم يكن عنده هذا التفصيل، فأراد التثبُّتَ فيه.

١٣ - باب التَّسْلِيمِ وَالاِسْتِئْذَانِ ثَلَاثًا

٦٢٤٤ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلَاثًا، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا. طرفاه ٩٤، ٩٥ - تحفة ٥٠٠

٦٢٤٥ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ بُسْرِ بْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>