وعلى هذا لا حاجة لي إلى تأويلٍ في قوله:«إنْ لم يكُن من عند الله يمضه» في قِصة رؤياه في عائشة رضي الله عنها. وإنَّما أوَّلَها الشارحون لأنهم قَصَرُوا رؤياه على نحوين فقط، فافهم.
قوله:(ثم قرأ: {إِنّي أَرَى فِى الْمَنَامِ}) وقد مرَّ الكلام عليه تحت حديث الوحي، فراجعه.
وهو بالتقطير بين الإِسالة والإِسراف، وبالتثليث وبإِطالة الغُرَّة والتَّحْجِيل.
قوله:(ولم يُسِبغْ الوضوء) والمراد منه الوضوء الناقص، أو التقليل في المرات. وكَرِه الفقهاء تَكرَار الوضوء بدون تخلَّلِ عبادة أو تبدُّل مجلس، وقد ذكروه مفصلًا. ولا بأس في تكراره إن كان توضأ وضوءًا كاملًا أيضًا، فإِنَّه تبدل مجلِسُه صلى الله عليه وسلّم أو يقال: إنه لم يكن أسبغ وضوءَه أولًا، فلما بلغ جمعًا ووجد الماء أسبغَ فيه تحصيلًا لأكمل الطهارتين. وكثيرًا ما نفعل مثله أيضًا، فنكتفي بالقدر الفرضي عند عِزَّة الماء، فإِذًا نجد الماء وتكون فيه سَعة نعيد الوضوء. لا يقال: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم لم يكن أدَّى قدر الفرض أَوَّلًا لأنا نقول: إن قول الراوي: الصَّلاة يا رسول الله لا يلائمه، فإِنَّه يدل على أنه كان على وضوء يصح به الصَّلاة فالجواب ما ذكرنا.
قوله:(الصَّلاة أمامك) وأَخَذَ منه الحنفية أن تأخيرَ المغرب في المزدلفة واجبٌ، لأنه أخر المغرب بلا وجهٍ وجيه، فإنَّ الدفع إلى المزدلفة لا يكون إلا بعد غروب الشمس، فإِذا لم يُصلِّ المغرب مع حضور وقتها، عُلِم أن وقتَ تلك الصلاة تحولَ وقتها المعروفِ وصار وقته ووقت العشاء واحدًا في هذا اليوم، وهو معنى قوله:«الصَّلاة أمامك» يعني ليس وقته ههنا. بخلافِ تقديم العصر في عرفة، فإِن، له وجهًا ظاهرًا، فشرطوا له شروطًا وقصروه على مورِد النص ولم يوجبوه، فلا يَجْمع في عرفة إلا من يصلى مع الإِمام بشرائطه. أما في الجُمع فيجمع كل من يصلى منفردًا كان أو مصليًا بالجماعة.
ووجه تقديم العصر وتأخير المغرب ترجيحُ العبادة الوقتية، فإِنَّه لما تعارضت العبادتان الصلاة والوقوف وسَّعت الشريعةُ للوقتية ورجحتها على ما كانت وقتها العمر كله. وفَهِم الحنفية أنَّ هذا الجمع ليس أمرًا بديعًا، بل هو على شاكلته المعروفة، فحملوه على الجمع للسفر وأنكره الآخرون وحملوه على الجمع للنُسُك.