والتقليل راجع إلى الوضوءِ الأول، وترجمة المصنَّف رحمه الله تعالى ناهضةٌ على كِلا التقديرين. وعُلِم من هذا الحديث نوعٌ آخرَ من الوضوء، وهو بغسل اليدين والوجه فقط. وإنَّما حدث هذا النوعُ من صنيع القرآن، حيث أشار إلى المصاحبة بين الرأس والرجل، فإِذا سقط أحدهما في وضوءِ النَّوم سقط الآخر أيضًا، فانظر كيف انكشفت المصاحبة، وأنَّ لهذين حُكمًا ولهذين حُكَمًا، فإِذا غُسِلَ الوجهُ غُسِلت معه اليدان أيضًا، وإذا تُركت وظيفةُ الرأس تركت وظيفة الرِجْل أيضًا.
ثم اعلم أن ما يأخذه القرآنُ في عُنوانه لا بد أن يكون معمولًا به أيضًا، ولو في أي مرتبة كان، ولا يكون نظريًا وعلميًا فقط كقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة: ١١٥] فإنه عُنوان عام لم يُردْ به التوجيه إلى كل جهة، ولكنَّه ليس علميًا فقط أيضًا، بل ظهر به العمل في حق النافلة، وكقوله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِي}[طه: ١٤]، فإن ظاهره أن تنحصرَ الصَّلاةُ في الذكر، وهو وإن لم يكن معمولًا به في جميع الأحوال، لكنه ليس عقليًا صِرفًا، بل عُمِل به في صلاة الخوف كما نُقِل عن الزهري: أنه إذا تعذَّرت عليه الصلاةُ في الخوف كفى له التكبير. وكما في الفقه أنَّ الحائض تتوضأ وتجلس في وقت صلاتها وتذكر الله عز وجل. فهذا كله عَمَلٌ بعنوان القرآن ولو في مرتبة.
والحاصل: أنه لا بد لعنوان القرآن أن يبقى معمولًا به ولو في أي صورة وأي مرتبة، ولمَّا جَعَلَ القرآنُ الوجه واليدين في طرف، والرأس والرِجْل في طرف - مع كون الرجل مغسولًا - لا بد أن يظهرَ لهذين حكمٌ خاصٌّ ولهذين أيضًا. وهو الذي ظهر به العمل في النَّوم والتيمم. وما عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه عند مالكٍ في الوضوء للجنابة من مسح الرأس بدون غسل الرجلين، فغير مُسلَّمٌ عندي ما لم يَثْبُت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه جمع الثلاثة وترك الرابع، فينبغي أن يُحملَ على الوضوء الكامل، يعني مع غسل الرجلين أيضًا، واختصره الراوي.
قوله:(فحوَّلني فجعلني عن يمينه) وصورته ما عند مسلم فأخذ بيدي من وراء ظهرهِ يعدلُني كذلك من وراء ظهره إلى الشق الأيمن، وهذا يفيدُك في أنَّ الكراهةَ إذا طرأت في خلال الصَّلاة يجبُ رفعُها فيها.
قوله:(ثم صلى ما شاء الله) وقد علمت اختلافَ الروايات فيه.
قوله:(ثم اضطجع) وفيه تصريح بالاضطجاع. واختُلف في كونه بعد صلاة الليل أو بعد سُنَّة الفجر وليس بسُنَّة؛ ومن اضطجع اتباعًا له صلى الله عليه وسلّم يَحْصُل له الأجر إنَّ شاء الله تعالى، ولكنه ليس من السُنَّة في شيء. وتفرد ابن حزم حيث جعله شرطًا لصحةِ صلاة الفجر، ولا دليل له على ذلك، ولكنَّه إذا أَخَذَ جانبًا شدد فيه.
قوله:(تنام عينه) ... إلخ وهذا مِنْ باب الكيفيات كالكشف، إلا أنَّه في اليقَظَة، والمكشوفُ عليه يرى ما يراه الآخرون في اليقظة. وأما في ليلة التَّعريس فقد أُلقي عليه النَّوم تكوينًا وفي الحديث:«إِني أُنَسَّى لأَسُن».
قوله:(رؤيا الأنبياء وحي) وقد مرَّ مني أنَّ رؤيا الأنبياء أيضًا يَحْتمل التقسيم الثلاثي.