ثم مِنْ مسائل الجمع الثاني أنه لو صلى أحدٌ المغربَ في عرفة يُعيدها قبل طلوع الفجر من يوم النَّحر، فإِن لم يعدها حتى طلع الفجرُ فإِنَّه لا يُعيدها بعده. وهذه المسألة أيضًا من فروعِ مسألة جوازِ الزيادة بالخبر، فإِنَّه ثبت بالنص القاطع أداءُ الصَّلاة في أوقاتها، وأنَّ الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا. ومقتضاها اعتبار الصَّلاة التي صُليت في وقتها وعدم إيجاب القضاء عليه. ثم جا خبر الواحد في إيجاب تأخيرها عن وقتها، ومقتضاها إيجاب الإِعادة إن صليت في وقتها المعروف، فلو جَوَّزنا الإِعادةَ بعد الطلوع أيضًا بطلَ عموم الآية الوقتية رأسًا.
فقلنا: إنَّه يعيدُها إلى طلوع الفجر لأجل الخبرِ والليلُ باقٍ، ولا يُعيدها بعده لأجل النَّص القاطع، فإِنَّه قد صلاها في وقتها فينبغي أن تعتبر بالنص أيضًا، وبه حصل الجمع بينهما، فلم نهمل الخبر بالكلية ولم نترك الآية بالكلية، بل راعيناهما بقدر ما أمكن. وبعبارة أخرى. إنَّ العمل بالظني - وهو خبر الجمع - إنما يمكن إلى وقت الطُّلوع فقط، لأنَّ وقتَ العشاء باق، فإن أعادها فيه حصل الجمع، وبعد طلوعه يفوت العمل بالظني ولا يمكن الجمع لفوات الوقت، فلا طائل في إيجاب الإِعادة بعده، فإِن قلنا بالإِعادة بعد الطلوع أيضًا لزمَ تركُ القاطع بفوات الظني، وهو غير معقول.
ثم من مسائل الجمع أنَّه لا يُصلِّي بينهما نافلة ولا شيئًا كما في «المناسك» للعارف الجامي. ولم أر تلك المسألة في غير هذا الكتاب. وعند مُسْلِم: فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ، فأسْبَغ الوضوء، ثم أقيمت الصَّلاة فصلَّى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئًا. وفي بعض الروايات: أنَّهم أناخوا بعيرهم بعد أداء الصلاة. ووجه التوفيق: أنَّ بعضَهم فَعَل كذا. وبعضَهم فعل كذا. ومن مسائله أن الجمعَ في المزدلفة بأذان وإقامة، إلا إذا وقعت الفاصلة بين الصَّلاتين، فإنَّه يقيم للثانية أيضًا كما مَرَّ في رواية مسلم.
٧ - باب غَسْلِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ
الغُرْفة، كاللُّقمة، بمعنى اسم المفعول. والغَرْفة بالفتح للمرة، وهو الأفصح.
١٤٠ - قوله:(فرشَّ على رجله اليمنى) وإنما عبَّر بالرشِّ لأنَّه ضَرَبَ بها على رجله وغسلها شيئًا فشيئًا. وعن ابن عباس رضي الله عنه عند أبي داود: «فأخذ حَفْنَة من ماءٍ فضَرَبَ بها على