٥٩٦٧ - قوله:(ما حق العباد على الله) قال الشيخ ابن الهُمَام: ولم نتحصل معناه، فإنَّه ليس لأحد على الله حق.
واعلم أن المُعتزلَة أوجبوا على الله سبحانه أن يتقيدَ بم هو مستحسنٌ عند العقل، ويتحرز عما هو مستهجنٌ عنده، فهؤلاء جعلوا لأَحكم الحاكمين أيضًا قواعد يجب عليه أنْ لا يخالفُها، والعياذ بالله.
وذهب المتكلمون إلى أن الله تعالى لا يجب عليه شيءٌ. قلتُ: فلنفرض ههنا مراتب بعضها فوق بعض، فما قاله المتكلمون حق بلا مِرية، ولكنه في مرتبة، ولا حق على الله في تلك المرتبة لأحد، أما إذا تنزلت عنها إلى مرتبة دُونها، وهي أن الله سبحانه وعد عباره أن لا يعذبهم إذا لم يشركوا به، فذلك حقٌّ عليه أن ينجزَ ما وعده، وهذا على نحو قوله:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام: ٥٤] فلا حقَّ على الله قبل الوعد، وعليه حقٌّ إذا وعد.
وحينئذٍ ظهر معنى ما عَجَزَ الشيخ عن إدراكه، وظهر أنه لا يخالفُ مذهب المتكلمين أيضًا. وهذا عندي أشبهُ بنزاعهم في حُسن الأشياء، وقُبحها. فقيل: إنه عقليٌّ، وقيل: شرعيٌّ، يجعل الشارع. قلتُ: وهذا النزاع أيضًا باعتبار المرتبتين، وكلاهما على الحقِّ، ففي مرتبة كذا، وفي مرتبة كذا، فلو تكلمت في المرتبة العليا لوجدت أنَّ الحُسن والقبح في الأشياء، يجعل الله سبحانه، ولا بدّ، فكلام الأشْعرِي صوابٌ، وإن نزلت إلى مرتبة دُونها، وراعيت الأمرَ بعد أمرِ الشارع، ونهيه، وجدت أنهما عقليان، فإنَّه من المحال أن يأمرَ الشرعُ بشيءٍ لا يكون فيه حُسن، أو ينهى عن شيء لا يكون فيه قبح، فصح كلام الماتُرِيْدِي أيضًا.
وبعبارة أخرى: إن تكلمت في علم الكلام، فالأصوب باعتبارِ موضوعِ الفنِّ نظرُ الأشعري، وإن تكلمت في علم الشرع، فالأقرب كلام الماتريدي، لأن نظر المتكلمين في المرتبة العُليا، ونظر أهل الشرع في المرتبة الدُّنيا، وهي بعد ورود الشرع، فصح النظرانِ، ولم يبق نزاعٌ، ولا دِفاعٌ. والحمد العزيز العليم.