سَمِعَ عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وصلَّى إلى جَنْبِهِ رجلٌ، فلمَّا جَلَسَ الرجلُ في أَرْبَعٍ تربَّع، وثَنَى رِجْلَيْهِ، فلمَّا انصرف عبدُ الله، عاب ذلك عليه. فقال الرجل: فإِنك تَفْعَلُ ذلك فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: إني أَشْتَكِي». وهذا صريحٌ في أن الإِصلاح وَقَعَ في القِعْدَةِ الأخيرةِ، دون الأولى، كما قاله الحافظُ.
قوله:(إن رِجْلَيَّ لا تَحْمِلاني). وتمسَّك منه الطحاويُّ أنه يَدُلُّ على أن الرِجْلَيْنِ ممَّا يُسْتَعْمَلانِ في القِعْدَة، وهذا أصدقُ على مذهبنا للجلوس فيه على اليُسْرَى، ونَصْبِ اليُمْنَى بخلاف في التَّوَرُّك، فإِن اليُسْرَى أو اليُمْنَى لا تُسْتَعْمَلانِ فيه، بل هُمَا مهملتان. فلو كانت رِجْلاه تَحْمِلانِهِ لاستعملهما في قِعْدَته، وهو بالافتراش.
قوله:(فَقَالَ أَبو حُمَيْدٍ ... ) إلخ، وفي حديثه عند الترمذيِّ: رفع اليدين أيضًا وحَكَم عليه الطَّحَاوِيُّ رحمه الله تعالى بالانقطاع، وعلَّله ابن القطَّان المغربي، وابن دقيق العيد أيضًا. قال الطَّحَاوِيُّ رحمه الله تعالى: محمد بن عمرو بن عَطَاء لم يُدْرِك صلاة أبي حُمَيْدٍ، وإنما يرويها عن رجلٍ، كما ذكره عَطَّاف بن خالد، والرجلُ الآخر هو: عباس بن سَهْل. وراجع له رسالتي «نيل الفرقدين»، فقد بَسَطْتُ فيها الكلامَ.
١٤٦ - باب مَنْ لَمْ يَرَ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ وَاجِبًا لأَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَرْجِعْ
ولمَّا لم تَكُنْ مرتبةُ الواجب عند المصنِّف رحمه الله تعالى، فالمراد منه عنده الفرضُ، أي من لم يَرَ التشهُّد فرضًا. وذلك لأنه رأى أن تركه يَنْجَبِرُ بالسجود، ولو كان فرضًا لَبَطَلَتِ الصلاةُ أصلا، وذاك بعينه دليلُ الوجوب عند الحنفية رحمهم الله تعالى. فإِنهم قالوا: إن تَرْكَهُ إذا انْجَبَرَ بالسجدة، عُلِمَ أنه ليس بفرضٍ، كما قاله البخاريُّ. وإذا احتاج إلى جابرٍ، عَلِمْنَا أنه مهمٌ،