وقد أخرجه في الأَذان أيضًا بلفظ عام:«بين كُلِّ أَذَانَينِ صلاةٌ». وأخرج ههنا بلفظ «المَغْرِب» خَاصةً وحصل لي الجَزْمُ بأنها روايةُ المعنى، لا روايةٌ بالمعنى. فإِنَّ الراوي استنبَطَ المسألةَ من الحديث العام:«بَيْنَ كُلِّ أذانينِ صلاةٌ». ثم أَجْرَى عُمومَه في المَغْرب وتَرك الصلواتِ الأَرْبَعَ ثُمَّ عَبَّر عنها بقوله:«صَلُّوا قبل المغرِب» وما حاشى به، لأنه قد تعلَّمها من الحديث العام، وفيه تلك، وهذا وإن لم يَقْرَع سَمْعَك لكنَّه أَقْرَبُ إلى الصواب إِن شاء الله تعالى، وإياك وأن تَظُنَّ أني تقوَّلْتُ قولا لم أُسْبق به هزوًا ولَعِبًا، بل أُشْهِدَ اللَّهَ أَني لم أزل أَتفكَّر فيه سنين، واستفتيت قلبي حتى إذا أفتاني وشفاني تقدمت إلى مثله، وعمدتي فيه أبو بَكْر الأَثْرم فإِنه قال: إنه معلولٌ، كما في كتابه «الناسخ والمنسوخ».
١١٨٣ - قوله:(كَرَاهيةَ أَنْ يَتَّخِذَها النَّاسُ سُنةً) قلنا إنَّ الجوازَ باقٍ بَعْدُ، كما أقر به الشيخ ابن الهُمَام رحمه الله تعالى. وجملة الكلام فيه أنَّ خمولَها وانقطاع التعامِل عنها أَوْجَب لنا أن لا نقولَ باستحبابها. وهو المختار عند مالك رحمه الله تعالى. ألا ترى إلى ما أخرجه البخاري ص ١٥٨ ج ١ - من قَوْل مَرْثَد بن عبد الله يتعجَّبُ من أبي تميم على أنه كان يأتي بهاتين الرَّكْعَتَيْنِ. وكذا عند أبي داود - ص ١٨٩ - عن ابن عمر رضي الله عنه يقول: ما رأيتُ أَحَدًا في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم يُصَلِّيهما. فَإِنَّه دليلٌ واضِح على خمولهما في عهد صاحب النبوة، حتى أفضى إلى التعجُّبِ مِمَّن صَلاهما. والله تعالى أَعْلم.
٣٦ - باب صَلَاةِ النَّوَافِلِ جَمَاعَةً ذَكَرَهُ أَنَسٌ وَعَائِشَةُ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -