للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وليس كالسُّنة التي لا يَجِبُ بتركها شيءٌ فإذا هو بين بين، وهو الذي نعني بالوجوب.

ولما لم تكن تلك المرتبة عند الآخرين، تُوجَدُ في كُتُبِهِم مسائلَ عجيبةً. ففي كُتُب الحنابلة: أن الفرضَ على ضربين: الأول ما يكون فرضًا، وشرطًا لصحة الصلاة مثلا. والثاني ما لا يكون شرطًا لها. قلتُ: والثاني هو بعينه الواجب عندنا. وكذا في كُتُب المالكية: أن الوجوبَ على نوعين: وجوبُ سُنَّةٍ، ووجوبُ افتراضٍ. وقد اضْطَرَّ الشافعيةُ إلى القول بالواجب في باب الحَجِّ، لأنهم رأوا هناك جِنَايات، ثم تلا فيها بالأجزئية، فقالوا بوجوبها.

[فائدة]

واعلم أن الشيءَ الواجبَ، وواجبَ الشيءِ أمران. والثاني قليلٌ، فإِنه في الصلاة والحجِّ. وهو ما يُوجِبُ تركه النقصان، بخلاف الأوَّل. والفرقُ بينهما: أن الشيءَ الواجبَ يُطْلَقُ على مجموع ما يتركَّبُ من أجزاء: بعضُها أركانٌ، وبعضُها واجباتٌ ومستحباتٌ، كالوتر والأُضْحِيَة وصدقة الفطر مثلا. فإِنه واجبٌ عندنا، مع أنه يشتمل على الأركان وغيرها أيضًا. بخلاف الثاني، فإنه يُطْلَقُ على جزءٍ خاصَ منه دون المركَّب كالتعديل، أو الفاتحة، وضَمِّ السورة في الأُوَلَيْنِ، فأُسمِّيها واجبَ الشيءِ دون الشيء الواجب، وهذا الإِصطلاح أخذته من كلام صاحب «الهداية».

ثم لمَّا رَأَى الحنفيةُ في الصلاة والحجِّ أمورًا يُورِثُ تركها نقيصة، ولا يُوجِبُ فسادًا، سمُّوها باسمٍ مستقلٍ، وهو الواجبُ، أي واجبُ الشيء. وكان أولا في هاتين العبادتين فقط، ثم اسْتُعْمِلَ لفظ الواجب في مواضع أخرى أيضًا. وفي الحديث لطيفةٌ، فعند أبي داود: «ومنا المتشهِّد في قيامه» (يعني همين تشهد قيام بين بر هنا برا). وهذا يَدُلُّ على أنه لم تكن في أذهانهم الفاتحة، وإنما كانوا يَفْعَلُون أمورًا في اجتهادهم، فإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم يَعْلَمُها ربَّما يُقِرُّهم عليها، وطالما يَنْهَى عنها.

١٤٨ - باب التَّشَهُّدِ فِى الآخِرَةِ

٨٣١ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ. فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ «إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ». أطرافه ٨٣٥، ١٢٠٢، ٦٢٣٠، ٦٢٦٥، ٦٣٢٨، ٧٣٨١ - تحفة ٩٢٤٥

لم يُتَرْجِمْ بالآخرة فَرْقًا بين الأولى والآخرة، بل لأجل كون الحديث في الأخيرة.

٨٣١ - قوله: (قُلْنَا السَّلامُ ... ) إلخ. ولعلَّه كان عندهم في السلام تعليمٌ إجماليٌّ، ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>