للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لأجلِ المرض، وأَقَرَّ الحافظُ رحمه الله تعالى أَنَّ الجَمْعَ فيه على نظر الحنفية، وفي كتاب الصلاة للحافظِ شمس الدين السَّخاوي: أَنَّ وفدًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فَجَمَعَ بين الصَّلاتين لأجلهم في المدينة، وهذا صَرِيحٌ في أَنَّ الجَمْعَ لا للمرض كما أَوَّل به النَّووي.

قوله: (فقال أيوب: ولعلَّهُ في ليلةٍ مَطِيرَةٍ) ولعلَّ هذا الاحتمال من راوٍ تحته، وإلا فقد عَلِمْتَ مِنْ مسلم أَنَّ ما فَهِمَهُ تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما هو الجَمْعُ الصُّوري، كما ذهب إليه الحنفية، فلا بُدَّ أَنْ يكونَ ما في البخاري احتمالا مِنْ راوٍ آخر في ابتداءِ السند.

١٣ - باب وَقْتِ الْعَصْرِ

وقال أبو أسامة عن هشام: من قعر حجرتها.

٥٤٤ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ مِنْ قَعْرِ حُجْرَتِهَا. أطرافه ٥٢٢، ٥٤٥، ٥٤٦، ٣١٠٣ - تحفة ١٦٧٦٥، ١٦٨٣٣ أ

ولقد عَلِمْتَ الخِلافَ فيه، أَمَّا الخلافُ في الاستحباب فَذَهَب الحنفيةُ إلى استحباب التأخيرِ، وهو ظاهرُ القرآن، واستدلّ به العيني، وأَظُنُّ أَنَّ أصله من الحافظ قُطْبِ الدين الحلبي أو من الحافظ علاء الدين الحنفي شيخ شيخ الحافظ رحمه الله تعالى (١).

قال تعالى: {وسَبِّح بحمدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمسِ وقَبْلَ الغُروب} [ق: ٣٩] فجعل الفَجرَ قَبْلَ الطُّلوع، والعصر قَبْلَ الغُروب، ومعلومٌ أَنَّهم لا يمادون في العْرْفِ بطلُوعِ الشَّمس وغُرُوبِها، إلا ما كان أقرب إليه، فإِذا قلت: آتيك قبل الغروب، ثُمَّ أتيته بعد الطُّلوع تعد غَمْرًا وجاهلا، وإنْ كنت صادقًا في قولك فإِنَّك إذا جئت بعد الطُّلوعِ، فقد جئت قَبْلَ الغروب لا مَحَالة، وما ذلك إلا لأنَّ هذا التعبيرَ عندَهُم للإِتيان قُبَيل الغروبِ، فلا يَنتظرونَكَ إلا في هذا الوقت، فلو كان العصرُ بعد المِثْلِ الأوَّل لم يلطف قوله: «قبل الغروب» كما لَطَف إذا صليتها قُبيل الاصفرار والشمس حية، فكأنَّه لم يَبْقَ بعدَها إلا الغروب (٢). ويؤيدُه النَّظَر الفقهي أيضًا، لأنَّ الشريعةَ قد نَهَتْ عن التَّطوعِ بعد هاتينِ الصَّلاتَين فلا صلاةَ بَعْدَ الفَجْرِ حتى تَطْلُع، ولا صلاةَ بعد المغرب حتى تَغْرُب الشمس، ففي تأخيرهما توسيع في التطوعاتِ، وفي التَّعجِيل تضييق لها.

وأَخْرَج الطَّحاوي عن أبي قِلابة أَنَّها سُمِّيت العصر، لأنَّ سبيلها أَنْ تَعْصِر. فَدَلَّ على التأخير وعلى أَنَّ الأوقات متروكة على العُرف عندهم، ولا تحديد فيها فوقه. وعن عُمر كَتَبَ إِلى عُمَّالِه: «صلُّوا العصرَ والشمس مرتفعة بيضاء نَقِية قَدْرَ ما يسيرُ الراكب فرسخين أو ثلاثةً».


(١) قلت: والتردد مني اهـ.
(٢) قلت ومن العجائب ما ورد عند أبي داود عن خيثمة قال حياتها أن تجد حرها فاحفظه اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>