٣١٦ - قوله:(فكُنت ممن تمتع ولم يَسُقِ الهدي) واعلم أنَّ النبيَ صلى الله عليه وسلّم لمَّا خرج للحج نادى به في الناس، وكانت العمرة في أشهر الحج في زمن الجاهلية من أفجر الفجور، فأهلَّ أكثرهم بالحج، ثم لمَّا أراد النبي صلى الله عليه وسلّم أن يُعَلِّمهم أن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة أمرهم برفض إحرام الحج وجعله عمرةً، فمن لم يكن عنده هديٌ رفض الحجَّ وصار متمتعًا بغير سَوْق الهدي، أما من كان عندهم هدي فلم يرفضوا إحرامهم لمكان الهدي، ومن ههنا علمتَ أن لا خلاف بين من قال: لا نرى إلا الحج، وبين من ذكر التمتع.
ثم المسألة عندنا أن المتمتع يجمع بين العمرة والحج، بأن يأتي أفعال العمرة أولًا ثم يأتي بأفعال الحج، فإن كان غيرَ سائقٍ الهديَ يَحِلّ بعد عمرته ويُحْرِم بالحج يوم التروية، وإلا يبقى محرمًا ثم يُحْرِم بالحج يوم التروية. واختُلف في عائشة رضي الله عنها أنها كانت قارنة أو مُفْرِدة؟ فقال الحنفية: إنها كانت أحرمت بالعمرة أولًا كما في الرواية الآتية: «وكنتُ ممن أَهلَّ بعمرة» ثم إذا حاضت ولم تَطْهُر حتى قَرُبَ الوقوف رفضتها وأحرمت بالحج، وصارت مفرِدةً ثم اعتمرت بعد الفراغ عن الحج مكان عمرتها التي كانت رفضتها.
قوله:(امتشطي) من المَشْط يقال: سَرَّح الشعر أي خَلَّص بعضَه عن بعض، ورَجَّلَه أي جعله مستقيمًا حتى لا يبقى فيه الجُعُودة، ويقال امتشطت المرأة شعرها أي مشطتها بالمُشْط وهذا صريح في أنها كانت رفضت عمرتها، وأوَّله الشافعيةُ بأن المراد منه الامتشاط بالرِّفق لئلا تنقض الأشعار، ولا ينافى الإحرام، وهو كما ترى، فكأن النبي صلى الله عليه وسلّم أمرها بذلك لئلا يناقض مذهب الشافعية رحمهم الله تعالى، بل الامتشاط على ما هو المعروف ولا يخلو عن نقض شعر عادة. على أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر أبا موسى بنقض إحرامه بمثل هذه الألفاظ كما في الصحيحين.
قوله:(وأمسكي عن عمرتك) هذا أيضًا أقرب إلينا، ومعناه عندنا رفضُ العمرة، وقال الشافعية معناه دعي أفعال العمرة مع إبقاء الإحرام على حاله. قلت: إذا كانت أفعال العمرة عندكم داخلة في الحج للقارن، فلا تكون أفعال العمرة إلا أفعال الحج، فما معنى تركها فإنها لا تطوف إلا