وأمَّا أثر سفيان فأيضًا كذلك، ونظيرها ما عن محمد رحمه الله تعالى في النَّبيذ أنه يتوضأ منه ويتيمم، بل تردده يشعر بخلافه. والحاصل: أنه ليس في ترجمته شيء صريح يدل على طهارة سؤرِها عنده، فلا ينبغي لنا أن نعزو إليه هذه المسألة.
وإنما تردد نظر الشارحين في مختاره لأنه أخرج المادَّة للطرفين تحت باب واحدٍ، فالأول: يدل على النجاسة. والثاني: يمكن أن يستدلَ منه على طهارته وإن كان ضعيفًا. قلت: ولا حجة في قصة الإسرائيلي على الطهارة. أمَّا أولًا، فلأنه لم يذكر أنه سَقَاه من خُفِّه أو حَفَرَ حُفرة ثم سقاه منه، وكذلك ليس فيه أنه غَسَلَ الخفَّ أولًا. وسكوتُه هذا ليس سكوتًا في معرض البيان، لأنه بصدد ذكر القِصة فقط لا ببيان المسألة. والرواةُ إذا سردوا قصةً لا يقصدون إلا ذكرَها على ما كانت في الخارج ولا يتعرضون إلى تخاريج المسائل ولا يراعونها في عباراتهم ثم يجيء علماءُ المذاهب ويأخذون المسائل من تعبيراتهم. وهذا طريق ضعيفٌ جدًا فاحفظه فإِنه يُنجيك عن كثير من المضائق وستمر عليك نظائره في هذا الكتاب.
قوله:(وقال أحمد بن شَبِيبٍ) ... إلخ وفيه لفظ مشكل وهو «تبول» كما مرَّ: ولعل البخاري تَرَكه عمدًا. وقد ثبت عندي أنه من عادة البخاري حذفُ الجملة المشكلة أو اللفظ المشكل ولا قلق فيه، فإِنَّه يعلم من موضعه.
والحاصل: أن الشريعةَ لا تحكم بالنجاسة إلا بالمشاهدة الجزئية أو الإِخبار، فإِذا لم يكن هناك إِخبار ولا مشاهدة جُزئية، فاإنه لا تحكم بالنجاسة بمجردِ تطرقِ الأوهامِ وتوسوس الصدور. واعلم أن الشريعةَ لم تهدر الاحتمالات بالكلية وكذا لم تعتبرها بالكلية. والذي تبين لي أن تُقسَمَ على الأحوال فيعتبرُ مرة ويهدرُ أخرى. وإن كانت عامةُ عبارات فقهائنا تذهبُ إلى