للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم اعلم أن النهيَ عن التَّصَرِّي، والنهيَ عن تلقِّي الجَلَب وقع في حديثٍ واحدٍ، مع أن الفقهاءَ ذَهَبُوا إلى صحة البيع في صورة التلقِّي إذا لم يَضُرَّ أهل البلد. وههنا حرَّر ابن دقيق العيد: أن تخصيصَ العامِّ جائزٌ بالرأي ابتداءً إذا كان الوجهُ جَلِيًّا. وقال مولانا شيخُ الهند: إنه محمولٌ على الاستحباب (١).

ونقل في «شرح الإِحياء» (٢) حكايةً عن الشافعية: أنه جرى ذكر حديث المُصَرَّاة بين حنفيًّ، وشافعيًّ، فقال الحنفيُّ: إن أبا هُرَيْرَة لم يكن فقيهًا، فلم يَفْرُغ من مقالته، حتى وَثَبَتْ عليه حيةٌ، ففرَّ منها، فقال له رجلٌ منهم: تُبْ إلى الله، فتاب، فَتَرَكَتْهُ. قلتُ: ولا أصلَ لها عندي، وإنما تَفُوحُ منها رائحةُ التعصُّب.

٢١٤٨ - قوله: (بالخِيَار ثلاثًا)، ويُسْتَفَادُ منه: أن خِيَارَ الشرط في ذهن الشارع هو بثلاثة أيام فقط، كما قُلْنَا.

٦٦ - باب بَيْعِ الْعَبْدِ الزَّانِي

وَقَالَ شُرَيْحٌ: إِنْ شَاءَ رَدَّ مِنَ الزِّنَا.

٢١٥٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِى سَعِيدٌ الْمَقْبُرِىُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا، وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا، وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ». أطرافه ٢١٥٣، ٢٢٣٣، ٢٢٣٤، ٢٥٥٥، ٦٨٣٧، ٦٨٣٩ - تحفة ١٤٣١١


(١) قلتُ: وتقريرُه على ما هو عندي: إن العملَ بظاهر ما في حديث المُصَرَّاة يُوجِبُ ترك كثير من الأحكام التي ثبتت من الشرع، فلا بُدَّ علينا أن نَطْلُبَ له وجهًا. ألا تَرَى أن الضمان عند الشرع إنما عُهِدَ بالمثل، أو بالقيمة. وصاع التمر بعوض اللبن ليس ضمانًا بالمثل، وهو ظاهرٌ، وكذا بالقيمة أيضًا، فإنَّ الشرعَ أوْجَبَ عليه ذلك الصاع فحسب، سواء زاد اللبنُ، أو نَقَصَ، فَدَلَّ على أنه ليس قيمةً له. فلو أوْجَبْنَا عليه هذا الصاع مع رَدِّ المبيع المَعِيب، فكيف بهذه الأصول التي مهَّدها الشرعُ بنفسه؟ فليس هذا تركَ الحديث بالقياس، بل تركَ الحديث لأجل الأحاديث.
فالوجه عندنا: أن الشارعَ أَرْشَدَ فيه كلًّا منهما ما هو أَحْرَى لهما، فأَرشَدَ للبائع أن يَرُدَّ المبيعَ، فإنه الأَحرَى به، فإذا رَدَّهُ مع أنه لم يكن للمشتري ولاية الفسخ، فقد أحسن إليه لا محالة، فهدى للمشتري أن يُكَافِئَه، ويَرُدَّ إليه صاعًا من التمر، فإنه قد شَرِبَ لبنَها، فعليه أن لا يَرُدَّ إليه مَبِيعَه بلا شيءٍ. فليس ذلك من باب الضمان، بل من باب المروءة، وحسنِ المعَاشَرَةِ. فإذن هو تبرُّعٌ مَحْضٌ يبتني على رضاء الآخر، كخِيَار المَجْلِس، على ما مرَّ تقريره مبسوطًا.
(٢) قال أبو بكر بن العربي: لقد كُنْتُ في جامع المنصور من مدينة السلام في مَجْلِسِ علي بن محمد الديقاني -قاضي القضاة- فَأَجَزْني به بعضُ أصحابنا. وقد جَرَى ذكر هذه المسألة: أنه تكلَّم فيها بعضُهم يومًا، وذكر هذا الطعن في أبي هُرَيرَة، وسَقَطَتْ من السَّقْفِ حيَّةٌ عظيمةٌ في وسط المسجد، وأخذت من تحت المتكلِّم بالطعن، ونَفَرَ الناسُ، وافترقوا، وأخذت الحيةُ تحت الوادي، فلم يُدْرَ أين ذهبت أبدًا، وارْعَوَى بعد ذلك من يَسْتَرسِلُ في هذا القدر -"العارضة"-.

<<  <  ج: ص:  >  >>