فالوجه عندنا: أن الشارعَ أَرْشَدَ فيه كلًّا منهما ما هو أَحْرَى لهما، فأَرشَدَ للبائع أن يَرُدَّ المبيعَ، فإنه الأَحرَى به، فإذا رَدَّهُ مع أنه لم يكن للمشتري ولاية الفسخ، فقد أحسن إليه لا محالة، فهدى للمشتري أن يُكَافِئَه، ويَرُدَّ إليه صاعًا من التمر، فإنه قد شَرِبَ لبنَها، فعليه أن لا يَرُدَّ إليه مَبِيعَه بلا شيءٍ. فليس ذلك من باب الضمان، بل من باب المروءة، وحسنِ المعَاشَرَةِ. فإذن هو تبرُّعٌ مَحْضٌ يبتني على رضاء الآخر، كخِيَار المَجْلِس، على ما مرَّ تقريره مبسوطًا. (٢) قال أبو بكر بن العربي: لقد كُنْتُ في جامع المنصور من مدينة السلام في مَجْلِسِ علي بن محمد الديقاني -قاضي القضاة- فَأَجَزْني به بعضُ أصحابنا. وقد جَرَى ذكر هذه المسألة: أنه تكلَّم فيها بعضُهم يومًا، وذكر هذا الطعن في أبي هُرَيرَة، وسَقَطَتْ من السَّقْفِ حيَّةٌ عظيمةٌ في وسط المسجد، وأخذت من تحت المتكلِّم بالطعن، ونَفَرَ الناسُ، وافترقوا، وأخذت الحيةُ تحت الوادي، فلم يُدْرَ أين ذهبت أبدًا، وارْعَوَى بعد ذلك من يَسْتَرسِلُ في هذا القدر -"العارضة"-.