للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العبد. وبالجملة أُبْهِمَت عليهم تلك المسألة، وقد تعرَّضْتُ إليه في الرسالة، أي «ضرب الخاتم ومرقاة الطارم» شيئًا.

١٥٧ - باب مُكْثِ الإِمَامِ فِى مُصَلَاّهُ بَعْدَ السَّلَامِ

واعلم أن السُّنة الأكثرية بعد الصلوات: الانصراف إلى البيوت بدون مَكْثٍ إلا بقدر خروج النساء. وكان في الأذكار والأدعية كلٌّ أميرَ نفسه، ولم تَثْبُت شاكلة الجماعة فيها، كما هو المعروف الآن، إلا في نزرٍ من المواضع، وقد مرَّ الكلامُ فيها. وكنا نظنُّ أن المصنِّفَ رحمه الله تعالى يُرِيدُ بيان جواز هذه الشاكلة، إلا أنه نَقَلَ أثر ابن عمر، فتبيَّن منه أنه دخل في مسألةٍ أخرى، وهي: جواز النافلة في مكان الفريضة. واستحبَّ الحنفيةُ أن يتحوَّلَ عن ذلك المكان، فيتقدَّمُ أو يتأخَّرُ، ولهم في ذلك مادةٌ كبيرةٌ. فعند مسلم، عن معاوية، وفيه: «فإِن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمرنا أن لا نوصل صلاةً بصلاةٍ حتى نتكلَّمَ أو نَخْرُجَ». وعن أنس رضي الله عنه عنده في خطبة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم «أيُّها الناس إني إمامكم، فلا تَسْبِقُوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيامِ، ولا بالانصراف». اهـ.

والمراد من الانصراف عندي: هو انصرافُه عن القِبْلَة بعد السلام، ولا شكَّ أن انصرافَ المأمومين بعد انصراف إمامهم لا يَخْلُو عن استحبابٍ، وإن كان جائزًا قبله أيضًا. ويمكن أن يُرَادَ من للانصراف: التسليم، أي انصرافه عن الصلاة. فالسُّنة هو أن يَفْصِلَ بين الفريضة والنافلة إمَّا بالمكان، أو بالكلام، كمامرَّ منا تحقيقه. وبه صرَّح صاحب الهداية، إلا أن الناس يَمْكُثُون في زماننا بعد الفرائض، ويُصَلُّون السُّنن في ذلك المكان بعينه. وينبغي أن لا يُحَرَّض الآن على أداء السُّنن في البيوت، لظهور التَّوَاني في أمور الدين، فإِنهم إِن يَرْجِعُوا إلى بيوتهم بدون أداء السُّنن في المساجد، ربَّما يَتَكَاسَلُون في أدائها، فيتركونها رأسًا. وراجع ما عند أبي داود، عن ابن عمر رضي الله عنه (١).

٨٤٨ - وَقَالَ لَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّى فِى مَكَانِهِ الَّذِى صَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةَ. وَفَعَلَهُ الْقَاسِمُ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَا يَتَطَوَّعُ الإِمَامُ فِى مَكَانِهِ. وَلَمْ يَصِحَّ. تحفة ٧٥٦٣، ١٢١٧٩

٨٤٨ - قوله: (وقال لنا آدمُ) ولعلَّه تأوَّل فيه، لأنه أخذه مذاكرةً.

قوله: (ويُذْكَرُ عن أبي هُرَيْرَةَ رَفَعَه: لا يتطوَّع الإمامُ في مكانه»، ولم يَصِحَّ). وهو عند أبي داود، ولا بأسَ إذ صحَّ عند مسلم من طريقٍ آخر. فعدنا يُصَلِّي التطوُّعَ في غير مكان الفريضة، وذلك آَكَدٌ في حقِّ الإِمام.

٨٤٩ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ عَنْ هِنْدٍ


(١) أخرج أبو داود في باب: الصلاة بعد الجمعة: "أن ابن عمر رضي الله عنه رأى رَجُلًا يُصَلِّي ركعتين يوم الجمعة في مقامه، فدفعه وقال: أَتُصَلي الجمعة أربعًا ... ". إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>