والسموات عن حملها، حين عرضت عليهن، لأنهنّ لم يكُنَّ بهذه المثابة، ولم يكن حاملة لتلك الأوصاف، وإنما سبق بها الإنسان مع ضَعفه؛ لأنه كان حاملًا لهذه الأوصاف، وبعبارة أخرى: إعطاء كل ذي حق حقه، ووضعُ كل شيء مكانه أمانةٌ، وضِدّها غش، وهو: حطُّ الشيء عن مرتبته، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم ما معناه لأنس «يا بُنَيَّ إن قَدَرْتَ أن تُصبحَ وتُمسيَ وليس في قلبك غشٌ لأحد فافعل ... إلخ» ثم المصنف رحمه الله يجعل «مِنْ» تبعيضية، ونحن نجعلها ابتدائية كما قررنا.
غرض المصنف رحمه الله: أن تلك الأعمال من الإيمان، فكما أنه لا نجاةَ في الآخرة بدون الأعمال كذلك لا يُكفُّ القتال عنهم في الدنيا إلا بها. قال الإمام الشافعي ومالك رضي الله عنهما: إن تارك الصلاة يقتل حدًا لا كفرًا.
[[الفرق بين الحد والتعزير، والكلام في تارك الصلاة]]
والفرق بين الحد والتعزير، أن الحد لا يمكنُ ردُّه للقاضي أيضًا، فإنه من حقوق الله تعالى، بخلاف التعزيز فإنه مفوض إلى رأيه. وقال أحمد رضي الله عنه: إنه يقتل كفرًا، وقال إمامنا الأعظم رضي الله عنه: إنه ليس بكافر، ولا يقتل، ولكنه يُحبس ثلاثًا، فإن عاد إلى الصلاة فبها وإلا يضُرب ضربًا يتفجر منه الدم، نعم، لو قتله الإمام تعزيرًا وسع له كما وسع له قتل المبتدع.
قلت: وجاز في السرقة للقاضي أن يقطع اليد تعزيرًا، وعليه أحملُ ما وقع فيه القطع فيما دون عشرة دراهم، وتمام البحث يجيءُ في السرقة إن شاء الله تعالى. وقد قال لي بعض الفضلاء: إن في تذكرة المخدوم (١) هاشم السندهي إشارة إلى جواز قتل تارك الصلاة عندنا
(١) وهو من قضاة البلدة طهطها ومعاصر للشاه ولي الله رحمه الله تعالى، ولم يتيسر له لقاؤه غير أنه حصلت له الإِجازة من كتابته. (قلت): ولعله يكون إذ ذاك صغيرًا، وكانت عنده ذخيرة من الكتب النادرة، والأسف على أنه لم يبق اليوم في ذريته أحد من العلماء ولم يبق لكتبه حافظٌ إلّا دابةُ الأرض، فإنا لله وإنا إليه راجعون. هكذا وجدناه فيما ضبطه الفاضل عبد القدير من تقارير الشيخ رحمه الله تعالى. ثم النووي من المفيدين عندي، وقد لا يُعدل في حق الحنفية والمفيدُ عندي من يأتي بكلام القوم مع إيضاح وبيان من قبله، أما من خاض اللجج، واقتحم الغِمار، وحل المعضِلات، ونقح كلمات القوم، وميز بين المَفرِّط والمُفرِط، فهو محقق عندي وقليل ما هو. هكذا سمعت من حضرة الشيخ رحمه الله تعالى.