قَالَ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالظَّهَائِرِ فَسَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ. طرفاه ٣٨٥، ١٢٠٨ - تحفة ٢٥٠
٥٤٢ - قوله:(فسجدْنَا على ثيَابِنَا) وهذا يُفيدنا في مسألة جواز السُّجود على الثياب مطلقًا، وعلى الشافعية رحمهم الله تعالى أَنْ يحملوه على الثِيَابِ المنفصِلَةِ دون الملبوسة.
قد مَرَّ أَنَّ أمثالَ هذه الألفاظ تُشْعِرُ بأَنَّه اختار في الجمع مسلك الحنفية، ولذا عُبَّر بتأخير واحد إلى الآخر مع أَنَّ أبا داود قد صَرَّح أَنَّه لم يَثْبُت حديث في جمع التقديم ومع هذا ذَهَبَ إليه بعضٌ من الأئمة.
٥٤٣ - قوله:(صلَّى بالمدينة) وهذا الحديثُ صريحٌ فيما رامه الحنفية من الجَمْع فعلا، فإِنَّه صلى الله عليه وسلّم جَمَعَ في المدينةِ، ولم يكن سفر ولا مطر، فلا بُدَّ أَنْ يكون الجمعُ فعلا فقط. وعند مسلم قال سعيد: فَقُلْتُ لابنِ عباس ما حمله على ذلك؟ قال: أَرَادَ أَلا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. وأَصْرَح منه ما عندَهُ عن أبي الشَّعْثَاء. وهو جابرُ بنُ زيدٍ تلميذ ابن عباس راوي الحديث. قلت: يا أبا الشَّعْثَاء أَظُنُّه أخَّر الظهر، وعَجَّل العصر، وأَخَّر المغرب والعشاء، قال: وأَنَا أظنُّ ذلك، فلم يكن الجمع وقتًا.
ثمَّ هو مصرح عند النَّسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما نفسه قال: صَلَّيتُ مع النبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة ثمانيًا جميعًا، وسبعًا جميعًا، أَخَّر الظهر وعجَّل العصر، وأَخَّرَ المغرب وعَجَّل العشاء. انتهى (١).
وحينئذٍ لا يحتاج إلى القولِ بالنَّسْخ، كما اختارَهُ جماعة في تأويلهِ، وحَمَلَهُ النَّووي على المَرَضِ وقوَّاه.
قلتُ: والعَجَبُ منه كيف حَمَلَهُ على المَرَضِ فإِنْ كان النبي صلى الله عليه وسلّم جَمَعَ بينهما لأَجْلِ المرض، فهل كان القومُ جملتهم مَرْضَى فجمعوا بينهما؟، على أَنَّ الغَرَض مِنْ عدمِ الخوفِ والسَّفرِ ليس انتفاء هذين فقط، بل المقصودُ انتفاء الأعذارِ مطلقًا، ولذا وَرَدَ في بعض ألفاظِهِ ولا مَطَر؛ ولو سلَّمْنَاه فما معنى قوله: أَرَاد أَلا يُحْرِجَ أمته؟ فإِنَّ الواجبَ عليه أَنْ يقول: إِنَّما جُعِل
(١) قلت: وهذا يدل على أن عنوان التأخير والتعجيل، كان معروفًا عندهم في الجمع الصوري دون الوقتي، كما قال الشيخ رحمه الله تعالى.