المقصودُ عن غيره، بخلاف اللفظ، فإنَّه وإن صُرِّح لكنه لا تنقطع عنه احتمالاتُ المجاز وغيره. وقد بلوتهم أنهم يسَوُّون القواعد للنقيضين، فأي رجاءٍ منها بعده، فإذا رأى أحدُهم حديثًا ضعيفًا وافق مذهبهُ يُسَوِّي له ضابطةً، ويقول: إن الضعيف يَنْجَبِر بِتَعدُّد الطرق. وإن رأى حديثًا صحيحًا خالف مذهبه يُسوِّي له ضابطةً أيضًا، ويقول: إنه شاذُّ، وهكذا جَرَّبْتُهم في مواضعَ يفعلون كذلك، فيجعلون القواعد حَسَب مرادهم من الطرفين. لا أريدُ به هَدْر هذا الباب، بل إن الطرد لا يليقُ به إذا اتضح ثورٌ من حِراء، وأين البيان بعد العيان؟
٣٩ - باب الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا
قيل: إنه يشيرُ أنه ليس فيه حديثٌ عنده، ولذا أخرج حديث الظهر. وقيل: بل يشيرُ إلى القياس على الظهر، فالسُّنن قبل الجمعة مِثْلُها قبل الظهر. أما السُّنن البَعْدية فقد ثَبَت الحديثُ فيها عند مسلم. وأما القبلية فقال ابن تيمية: إنه لم تثبت فيه سُنَّةٌ مستقلة، بل كان الأمر فيها عندهم على الإِطلاق بِحسَب سعة الوقت، فكم شاؤوا صَلُّوا.
قلتُ: ولو صَحَّ لفظ ابن ماجه: «قبل أن تجيء» المار آنفًا لَصَلَح حجةً للقبلية أيضًا. واحتج به الحافظ الزَّيلعي رحمه الله تعالى للقَبْلية كما مَرَّ، ولها رواية عند الزَّبِيدي في «شَرْح الإحياء» أيضًا. ثم الأَرجح عندي في البَعْدية أن يقدم الشَّفْع على الأربع كما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه. وثبت في أحاديث الأَرْبع والركعتان أيضًا.