للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإنْ قلتَ: إذا كان التعاقبُ فيها فما نكتة تخصيص الفَجْرِ في النَّص قلتُ: لِكَونِ القراءة فيها جَهْرِيَّة فكان ذِكْرُ الملائكةِ أهم لدَلالتِه على شِدَّةِ اشتياقهم وشَغَفِهم باستماع القرآن، ولي جزم بأنَّهم يَشْهَدُون صلاةَ الجماعةِ دون المنفرد.

١٨ - باب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ

٥٥٦ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ». طرفاه ٥٧٩، ٥٨٠ - تحفة ١٥٣٧٥

قال النَّووي: هذا دليلٌ صريحٌ في أَنَّ مَنْ صلَّى رَكْعَة مِنَ الصُّبح أو العصرِ ثُمَّ خرجَ الوقتُ قَبْلَ سَلامِهِ لا تَبْطُل صلاتُه، بل يُتِمها وهي صحيحة، وهذا مُجْمَعٌ عليه في العصر، وأمَّا في الصُّبح فقال به مالك، والشافعي، وأحمد رحمهم الله تعالى. والعلماء كافة إلا أبا حنيفة رحمه الله تعالى فإِنَّه قال: تَبْطُل صلاة الصبحِ بطُلُوعِ الشمس فيها، لأنَّه دَخَلَ وقتُ النَّهي عن الصَّلاة بخلاف غروب الشمس. والحديثُ حجة عليه. انتهى.

واعلم أنَّ الشمس إنْ طَلَعت أو غَرَبَت في خلال الصَّلاة، فالصَّلاة جائزةٌ عند الثلاثة. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: تصح عصر اليوم خاصة، أمَّا الفجر فتتحول نفلا عند الشيخين. وهذا معنى ما في المتون من فسادها. وقال محمد رحمه الله تعالى: إِنَّها باطلةٌ أصلا. وفي رواية شاذة عن أبي يوسف رحمه الله تعالى: أنها تصح فريضة وسبيلُها أَنْ يُمسك عنها عند الطُلوعِ مراقبًا للشمس، فإِذا رأى وقت الكراهةِ قد خرج يُتم ما بقي. والحديث يَرِد علينا إلا على تلك الرواية الشاذة.

وأجاب عنه الطحاوي: أَنَّه وَرَدَ في المجانين إذا أفاقوا، والصبيان إذا بَلَغُوا، والنَّصارى إذا أَسْلَمُوا، والحُيَّضِ إذا طَهرن، وقد بقيَ عليهم من وقت الصُّبح مقدار رَكعة أَنَّهم لها مدركون. انتهى.

فمعنى قوله: (أَدْرَك) أي لزمه القضاء دون البناء. والعجب من الحافظِ رحمه الله تعالى حيث رد عليه بما رَدَّ الطحاوي نفسه في كتابه، قال الحافظ رحمه الله تعالى: وللبيهقي من وجه آخر: «مَنْ أَدْرَك رَكعة من الصبحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشمسُ فليصلِّ إليها أخرى». ويُؤْخَذُ من هذا الرد على الطحاوي حيث قال: الإِدراك باحتلام الصبي، وطُهْر الحائض، وإسلامِ الكافر، ونحوها، وأَرادَ بذلك نُصْرَة مذهبه في أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ من الصبح رَكعة تَفْسد صلاتُه لأنَّه لا يكملها إلا في وقْتِ الكراهة.

انتهى كلام الحافظ رحمه الله تعالى. مع أَنَّ الطحاوي بعد سَرْدِ جوابه أَورَدَ عليه بعين ما أَوْرَدَ به الحافظ رحمه الله تعالى ما نصه هكذا: فكان من الحجة عليهم - أي الذين أخذوا الإِدراك بمعنى اللزوم دون البناء - لأهلِ المَقَالةِ الأولى - أي الجمهور - ما قد حدثنا عن أبي هريرة عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ أَدْرَكَ رَكعةً من صلاة العصرِ قَبْل أَنْ تَغْرُبَ الشمسُ فقد

<<  <  ج: ص:  >  >>