للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تمت صلاته؛ وإذا أَدْرَك رَكعةً من صلاة الصبحِ فقد تمت صلاته». ففيما روينا ذِكْرُ البناء بعد طلوعِ الشمس على ما قد دَخَل فيه قَبْل طُلُوعِها انتهى.

فالعجب من الحافظِ رحمه الله تعالى كل العجب أنَّه رَدَّ على الطحاوي ولم يَنْظُر إلى أنَّه رَدَّ عليه بنفسه بعد سطرين. ثُمَّ أقول: إنَّ الطحاوي ليس متفردًا فيه بل في «المدونة»: قال ابن وهب: وبلغني عن أُناس مِنْ أَهْلِ العلم أَنَّهم كانوا يقولون: إنَّما ذلك للحائِض تطهر عند غروب الشمس، أو بعد الصبح، أو النائم، أو المريض يفيق عند ذلك. على أَنَّه يمكِنُ تمشية جوابهِ على مسائِلنا أيضًا. ففي كُتبِ الأصول أَنَّ فخر الإِسلام رحمه الله تعالى والسَرَخْسي رحمهما الله تعالى اختلفا فيمن صار أهلا للصَّلاة في هذه الأوقات أَنَّه يُصلِّيها فيها أو يُمسك في الوقت المكروه. ثُمَّ يقضي بعدها؟ فقال واحد منهما أنَّه يصليها كذلك وصرَّح في «التحرير»، أنَّه ليست فيه رواية عن صاحب المذهب، فينفذ جواب الطحاوي على هذا القولِ بدون تمحل.

أقول: في «الدر المختار» عن «القنية»: أنَّ رجلا لو صلَّى قبل الغروب، ثُمَّ ذهبَ بها إلى الغروب بالتطويلِ لم يُكْرَه عندنا، وهو رواية عن الشافعي رحمه الله تعالى، ومصنِّفه حنفي في الفقه ومعتزلي في الاعتقاد، فلا تُقْبَل تفرداته إلا أَنَّ هذه المسألة رأيتُها في «أصول البزدوي» لفخر الإِسلام أيضًا، فلم أجد مساغًا للإِنكار، وإِنْ كنتُ مترددًا فيها. وما اعْتذر عنه صاحب «التوضيح» بعذر الخُشوعِ والخضوعِ لا ينفع.

وظاهر «الموطأ» أنَّه يصليها إذا أَدْرَكَها بتمامها قبل الغروب، لا كما في المتون أَنَّه يُصلِّيها ولو أَدْرَكَ رَكعة منها قَبْلَ الغروب، ثُمَّ يُتمها بعد الغروب. قال محمد رحمه الله تعالى في باب الرجل يَنْسَى الصَّلاة أو تَفُوتُه عن وقتها: وبهذا نَأْخُذ إلا أَنْ يَذكرها في الساعة التي نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم عن الصَّلاة فيها حين تَطْلُع الشمس حتى ترتفع وتَبْيَضَّ، ونصف النَّهار حتى تَزُول، وحين تَحْمَر الشمس حتى تغيب، إلا عصر يومه فإِنَّه يُصَلِّيها وإِنْ احمرَّت الشمس قَبْل أَنْ تَغْرُب. انتهى. والذي يظهر فيه أَنَّ الظاهر ما ذهب إليه محمدٌ رحمه الله تعالى. ولعلَّ فخر الإِسلام فرَّع على القولِ المرجوح، لأنَّهم اختلفوا في الصورَةِ المذكورة: أنَّ الكراهةَ في الفعلِ فقط، فحينئذ لو أَطَالَها إلى الغُروبِ لا تكون صلاته مكروهة. فاعلمه.

ثم إني تتبعتُ مرادهم بصحةِ عصرِ اليومِ، أَنَّهم يأمرون بأدائها أيضًا أو قائلون بالصحةِ فقط. والوجدان يحكم أَنَّهم إذا قالوا بصحتها فلا بُدَّ أَنْ يحكم بأدائِها أيضًا، لأنَّه معاملة الصَّلاة فإِذا صَحَّت لا بُدَّ من أدائها ولم أجده مصرَّحًا في كتبهم. وينبغي أَنْ يكون الأمر للترغيب فقط. وقد عَلِمْتَ آنفًا أَنَّ الصحةَ فيما إذا أَدْرَكَها بتمامها قَبْل الغروب، لا كما في المتونِ، إِن أَدْرَكَ رَكعة قَبْل الغروب يُتم بعدها. فليحرر.

وجملةُ الكلامِ أَنَّ الحديثَ لا يُفَرِّق بين الفَجْرِ والعصر، وظاهرهُ موافقٌ لما ذَهَبَ إليه الجمهورُ، وتفريقُ الحنفية باشتمالِ العصرِ على الوقْتِ النَّاقص دون الفَجْرِ عَملٌ بإحدى القِطعتين وتركٌ للأخرى بنحوٍ من القياس، وذا لا يَرِد على الطحاوي، فإِنَّه ذَهَبَ إلى النَّسخِ بالكُلِّية مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>