الأحاديث التي وَرَدَت في النَّهي عن الصَّلاةِ عند طُلوعِ الشمس وعند غُروبِها، إلا أنَّ المَعْرُوف مِنْ مَذْهَبِ الحنفية خلافه، فإِنَّهم قائلون في العصر بصحتِها كما في الحديث. وذَهَبَ ابنُ حَزْمٍ إلى عكسه، وقال: إنَّ أحاديثَ النَّهي مَنْسُوخةٌ كلُّها بحديث: «مَنْ أَدْرَكَ رَكعة ... » وعلى هذا لا حاجةَ إلى حَمْلِ حديث الإِدراكِ على صلاةِ النَّائم كما حَمَلَ عليه الشافعي رحمه الله تعالى بل لو تَعَمّدَه ينبغي ألا يكون عندَهُ بأْسًا فلم أَرَ جوابًا شافيًا عنه في أحد من كُتب الحنفية بعد.
والذي سَنَحَ لي أَنَّ النَّاس حَمَلوا الحديثَ المذكورَ على المواقيتِ وهو عندي في حق المسبُوق، فيكونُ مفهومه على طريقهم: أَنَّ الرَّكعَة الأُخرى بعد ما طلعت الشمس أو غربت، فتجري فيه الخلافية. وأما على ما اخترتُ فمفهومه: أَنَّ الرَّكعة مع الإِمام ورَكعة أخرى بعده وكلتاهما في الوقت قَبْلَ الطلوع في الفجر، وقَبْلَ الغروب في العصر، فلا تجري فيه الخلافية المذكُورة.
والدليل عليه: أَنَّ هذا الحديث وَرَدَ في أَرْبَعَةِ مَواضِع واتفق الكلُّ في الكلِّ أَنَّها في حق المَسْبُوق، واختلفوا في هذا فقط، فأَدْخَلُوه في مسأَلةِ الوقْتِ وهو عندي محمولٌ على نظائِرهِ.
فالأول: الحديثُ العام الذي أَخْرَجَهُ مُسلم وغيره «فمن أَدْرَك رَكعة من الصَّلاة فقد أَدْرَك» ولا فَرْقَ بين هذا الحديث وحديث الباب، إلا أنَّه عامٌ لجميعِ الصَّلوات: الفجر والعصر وغيرهما سواء، وحديث الباب في حقهما فقط، ونُكتة تخصيصهما بالذِّكر اشتراكهما في بَعْض الأوصافِ، فلهُما دَخْلٌ في الرؤية، ولذا جمعهما الحديث أيضًا، فقال:«من صلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجنَّة». وقد جمعُهما القرآن في غيرِ واحدٍ من الآياتِ، كقوله:{وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}[ق: ٣٩] واتفقوا في الحديث العام أنَّه في حق المسبوقِ قطعًا لِمَا عند مسلم من طريق آخر: «مَنْ أَدْرَكَ رَكعة مِنَ الصَّلاةِ مَعَ الإِمامِ فَقَدْ أَدْرَكَ» ففيه تصريح بكونِه في حق المسبوق. وإسنادُ هذين الحديثين واحدٌ، فأمكن أَن يدَّعي أحدٌ باتحاد الحديثين، عممه الراوي تارة وخصصه أخرى، فيكون مِنْ باب اختلافِ الرواة، أو اختلاف الراوي، تارةً كذا وتارةً كذا، ويكون القيد الثابت في واحدٍ ثابتًا في الآخر، فيكون كل منهما محمولا على المسبوق بالنَّص إلا أني حملتهما على أنَّهما حديثانِ، ثُمَّ قلتُ: إِنهما في حَقِّ المسبوقِ.
والثاني: ما أَخْرَجَه النَّسائي في باب مَنْ أَدْرَك رَكعة من الصَّلاة: عن سالم أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من أَدْرَكَ رَكعة من صلاة مِنَ الصَّلوات فقد أَدْرَكها إلا أنَّه يَقْضي ما فاته». وهذا صريحٌ أَنَّه في حق المسبوقِ، وفيه عن سالم عن أبيه قال:«من أَدْرَكَ رَكعة من الجمعة أو غيرِها فقد تمت صلاتُه» وهو أيضًا في حق المسبوق عندهم.
والثالث: ما أخرجه أبو داود في باب يُدرك الإِمام ساجدًا كيف يصنع. وقد وقَعَ فيه الحديث المذكور قطعة منه عن أبي هريرة مرفوعًا:«إذا جئتم إلى الصَّلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدُّوها شيئًا، ومَنْ أَدْرَك الرَكعةَ فقد أدرك الصَّلاة». وأخرجه ابن حِبّان في «صحيحه» فعُلِم أَنَّه صحيحٌ عنده، وحَمَلهُ النَّاس على أَنَّ الرَّكعة فيه بمعنى الركوع، والصَّلاة بمعنى الرَّكعة وهو